رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَهَا اللَّهُ بَعْدَ بِعْثَتِهِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ فَيَجْعَلُهُ رَسُولًا فَيُوحِي إِلَيْهِ، أَيْ: لَيْسَ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ، أَخْبَرَ أَنَّكُمْ لَا تُدْرِكُونَ أَنْتُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْكُمْ عَلَى مَا أَكَنَّتْهُ الْقُلُوبُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَخْتَارُ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَيُطْلِعُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَتُطْلَعُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ بِإِخْبَارِهِ لَكُمْ عَنْ ذَلِكَ بِوَحْيِ اللَّهِ. وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ أَيْضًا عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: حُكِمَ بِأَنَّهُ يَظْهَرُ هَذَا التَّمْيِيزُ. ثُمَّ بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا التَّمْيِيزُ فِي عَوَامِّ النَّاسِ بِأَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَى غَيْبَهِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ فُلَانًا مُنَافِقٌ، وَفُلَانًا مُؤْمِنٌ. بَلْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى جَارِيَةٌ بِأَنْ لَا يُطْلِعَ عَوَامَّ النَّاسِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِالِامْتِحَانِ. فَأَمَّا مَعْرِفَةُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ فَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ، فَيَخُصُّهُمْ بِإِعْلَامِ أَنَّ هَذَا مُؤْمِنٌ وَهَذَا مُنَافِقٌ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَالتَّفَاسِيرُ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْغَيْبَ الَّذِي نَفَى اللَّهُ إِطْلَاعَ النَّاسِ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إِلَى أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ. أَيْ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَكُمْ كُلَّكُمْ عَالِمِينَ بِالْمُغَيَّبَاتِ مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُ الرَّسُولُ حَتَّى تَصِيرُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْهُ، بَلِ اللَّهُ يَخُصُّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ الرَّسُولُ، فَتَنْدَرِجُ أَحْوَالُ الْمُنَافِقِ وَالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْعَامِّ.
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْتَارُ مِنْ رُسُلِهِ من يشاء فيطلعه على الْمُغَيَّبَاتِ، أَمَرَ بِالتَّصْدِيقِ بِالْمُجْتَبَى، وَالْمُجْتَبَى وَمَنْ يَشَاءُ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إِذْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ بِإِطْلَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، وَإِخْبَارِهِ لَكُمْ بِهَا فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ. وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ وَرُسُلِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ طَرِيقَ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ ظُهُورُ الْمُعْجِزِ عَلَى أَيْدِيهِمْ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، بِأَنْ تُقَدِّرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَتُعْلِمُونَهُ وَحْدَهُ مُطَّلِعًا عَلَى الْغُيُوبِ، وَأَنْ يُنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَنْ تَعْلَمُوهُمْ عِبَادًا مُجْتَبِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، وَلَا يُخْبِرُونَ إِلَّا بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْغُيُوبِ، وَلَيْسُوا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فِي شَيْءٍ انْتَهَى.
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ رَتَّبَ حُصُولَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْمَعْنَى: الْإِيمَانُ السَّابِقُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَعَلَى التَّقْوَى وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ، وَكَأَنَّهَا مُرَادَةٌ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ.
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute