للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ الِاسْمُ، وَيَكُونَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ خَاصٍّ فِيهِ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ خُصُوصَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ مِنْهُ تَسْلِيمٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ، أَيِ الْمَهْرَ. وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَفَ امْرَأَتَهُ نَفَقَتَهَا لِمُدَّةٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، لَا يَرْجِعُ فِي مِيرَاثِهَا بِشَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا لِعُمُومِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ، أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى بَعْدَ مَوْتِهَا مُسْتَبْدِلًا بِهَا مَكَانَ الْأُولَى. وَظَاهِرُ الْأَمْرِ قَدْ تَنَاوَلَ هَذِهِ الْحَالَةَ انْتَهَى. وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ يَقْتَضِي وُجُودَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا كَانَ قَدْ عُدِمَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُسْتَبْدِلَ يَتْرُكُ هَذَا وَيَأْخُذُ آخَرَ بَدَلًا مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ مَعْدُومًا فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ وَيَأْخُذُ بَدَلَهُ آخَرَ؟ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا إِنْ أَرَادَ الِاسْتِبْدَالَ، وَآخِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ بِتَعْلِيلِهِ بِالْإِفْضَاءِ عَلَى الْعُمُومِ، فِي حَالَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَغَيْرِهَا. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهَا أَنَّهُ لِمَكَانِ الِاسْتِبْدَالِ وَقِيَامِ غَيْرِهَا مَقَامَهَا، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَهْرَهَا وَيُعْطِيَهُ الثَّانِيَةَ، وَهِيَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمُفَارِقَةِ.

فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا. وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الَّتِي اسْتَبْدَلَ مَكَانَهَا لَمْ يبح له أحد شَيْءٍ مِمَّا آتَاهَا، مَعَ سُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ بَضْعِهَا، فَأَحْرَى أَنْ لَا يُبَاحَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ وَاسْتِبَاحَةِ بَضْعِهَا، وَكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْهَا بِنَفْسِهِ. وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ وَأَبُو جَعْفَرٍ: شَيًّا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَنْوِينِهَا، حَذَفَ الْهَمْزَةَ وَأَلْقَى حَرَكَتَهَا عَلَى الْيَاءِ.

أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً أَصْلُ الْبُهْتَانِ: الْكَذِبُ الَّذِي يُوَاجِهُ بِهِ الْإِنْسَانُ صَاحِبَهُ عَلَى جِهَةِ الْمُكَابَرَةِ فَيُبْهَتُ الْمَكْذُوبُ عَلَيْهِ. أَيْ: يَتَحَيَّرُ ثُمَّ سُمِّيَ كُلُّ بَاطِلٍ يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ بُهْتَانًا. وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، أَيْ: أَتَفْعُلُونَ هَذَا مَعَ ظُهُورِ قُبْحِهِ؟ وَسُمِّيَ بُهْتَانًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا تَطْلِيقَ امْرَأَةٍ رَمَوْهَا بِفَاحِشَةٍ حَتَّى تَخَافَ وَتَفْتَدِيَ مِنْهُ مَهْرَهَا، فَجَاءَتِ الْآيَةُ عَلَى الْأَمْرِ الْغَالِبِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بُهْتَانًا لِأَنَّهُ كَانَ فَرَضَ لَهَا الْمَهْرَ، وَاسْتِرْدَادُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَفْرِضْهُ، وَهَذَا بُهْتَانٌ. وَانْتَصَبَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا عَلَى أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ، التَّقْدِيرُ: بَاهِتِينَ وَآثِمِينَ. أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ التَّقْدِيرُ: مُبْهِتًا مُحَيِّرًا لِشُنْعَتِهِ وَقُبْحِ الْأُحْدُوثَةِ، أَوْ مَفْعُولَيْنِ مِنْ أَجْلِهِمَا أَيْ: أَتَأْخُذُونَهُ لِبُهْتَانِكُمْ وَإِثْمِكُمْ؟ قَالَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضًا كَقَوْلِكَ: قَعَدَ عَنِ الْقِتَالِ جَبْنًا.

وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْضًا، أَنْكَرَ أَوَّلًا الْأَخْذَ، وَنَبَّهَ عَلَى امْتِنَاعِ الْأَخْذِ بِكَوْنِهِ بُهْتَانًا وَإِثْمًا. وَأَنْكَرَ ثَانِيًا حَالَةَ الْأَخْذِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>