للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهب عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، والزبير، وابن عمر، وعمار وَزَيْدٌ: إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ أَوِ التَّحْرِيمِ؟ فَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ:

الْكَرَاهَةَ. وَذَكَرَ عَنْ إِسْحَاقَ: التَّحْرِيمَ وَكَانَ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَمِيرِ أَبِي زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصٍ مِلْكُ أَفْرِيقِيَّةَ قَدْ سَأَلَ أَحَدَ شُيُوخِنَا الَّذِينَ لَقِينَاهُمْ بِتُونِسَ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَابِدُ الْمُنْقَطِعُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَالِصٍ الْإِشْبِيلِيُّ: أَلَا تَرَى عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ؟ فَأَجَابَهُ بِالْمَنْعِ، وَكَانَ غَيْرُهُ قَدْ أَفْتَاهُ بِالْجَوَازِ.

وَاسْتَدَلَّ شَيْخُنَا عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: إِبَاحَةُ ذَلِكَ. وَإِذَا انْدَرَجَ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِتَزَوُّجٍ وَمِلْكِ يَمِينٍ، فَيَكُونُ قَدْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً، وَمَلَكَ أُخْتَهَا. وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْفُرُوعِ هُنَا، وَمَوْضِعُ ذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ.

إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ استثناء مُنْقَطِعٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأَخِيرِ، وَهُوَ: أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

وَالْمَعْنَى: لَكِنْ مَا سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ، وَوَقَعَ. وَأَزَالَتْ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ حُكْمَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ قَوْلُهُ.

إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ عَلَى أُخْتَيْنِ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَيُطَلِّقُ الْوَاحِدَةَ، وَيُمْسِكُ الْأُخْرَى كَمَا

جَاءَ فِي حَدِيثِ فَيْرُوزٍ الدَّيْلِمِيِّ: أَنَّهُ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلِّقْ إِحْدَاهُمَا وَأَمْسِكِ الْأُخْرَى»

وَظَاهِرُ حَدِيثِ فَيْرُوزٍ: التَّخْيِيرُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مذهب مالك، ومحمد، والليث، وَذَهَبَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يوسف، والثوري إِلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ سَبَقَ نِكَاحُهَا، فَإِنْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالسُّدِّيُّ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ وُرُودِ النَّهْيِ كَانَ مُبَاحًا، هَذَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَ أُمِّ يُوسُفَ وَأُخْتِهَا. وَيَضْعُفُ هَذَا لِبُعْدِ صِحَّةِ إِسْنَادِ قِصَّةِ يَعْقُوبَ فِي ذَلِكَ، وَكَوْنِ هَذَا التَّحْرِيمِ مُتَعَلِّقًا بِشَرْعِنَا نَحْنُ، لَا يَظْهَرُ مِنْهُ ذِكْرُ عَفْوٍ عَنْهُ فِيمَا فَعَلَ غَيْرُنَا.

وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ الْإِحْصَانُ: التَّزَوُّجُ، أَوِ الْحُرِّيَّةُ، أَوِ الْإِسْلَامُ، أَوِ الْعِفَّةُ. وَعَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي تَصَرَّفَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْقُرْآنِ، وَيُفَسَّرُ كُلُّ مَكَانٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْهَا.

وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ، فَلَقَوْا عَدُوًّا وَأَصَابُوا سَبْيًا لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَتَأَثَّمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>