للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ اسْتَشْعَرَتْ نُفُوسُهُمْ مَا صَارَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَخُلُوِّ مَوَاطِنِهِمْ مِنْهُمْ وَخَرَابِ بُيُوتِهِمْ فَبَادَرُوا إِلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا اسْتَشْعَرُوا إِذْ غَرَّقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَآلَهُ وَأَخْلَى مَنَازِلَهُمْ مِنْهُمْ وَنَبَّهُوا عَلَى هَذَا الْوَصْفِ الصَّعْبِ الَّذِي هُوَ مُعَادِلٌ لِقَتْلِ الْأَنْفُسِ كَمَا قَالَ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ «١» وَأَرَادَ بِهِ إِحْرَاجَهُمْ إِمَّا بِكَوْنِهِ يَحْكُمُ فِيكُمْ بِإِرْسَالِ خَدَمِكُمْ وَعَمَارِ أَرْضِكُمْ مَعَهُ حَيْثُ يَسِيرُ فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى خَرَابِ دِيَارِكُمْ وَإِمَّا بِكَوْنِهِمْ خَافُوا مِنْهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ بِمَنْ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَغْلِبَ عَلَى مُلْكِهِمْ قَالَ النَّقَّاشُ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرْجًا كَالْجِزْيَةِ فَرَأَوْا أَنَّ مُلْكَهُمْ يَذْهَبُ بِزَوَالِ ذَلِكَ وَجَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِسِحْرِهِ «٢» وَهُنَا حُذِفَتْ لِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى هُنَا بُنِيَتْ عَلَى الِاخْتِصَارِ فَنَاسَبَتِ الْحَذْفَ وَلِأَنَّ لَفْظَ سَاحِرٍ يَدُلُّ عَلَى السحر وفَماذا تَأْمُرُونَ مِنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْمَلَأِ إِمَّا لِفِرْعَوْنَ وَأَصْحَابِهِ وَإِمَّا لَهُ وَحْدَهُ كَمَا يُخَاطَبُ أَفْرَادُ الْعُظَمَاءِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ مِنَ الْأَمْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ تُشِيرُونَ بِهِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ أَمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِكَذَا أَيْ شَاوَرْتُهُ فَأَشَارَ عَلَيْكَ بِرَأْيٍ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَأْمُرُونَ بِفَتْحِ النُّونِ هُنَا وَفِي الشُّعَرَاءِ وَرَوَى كَرْدَمٌ عَنْ نَافِعٍ بِكَسْرِ النُّونِ فِيهِمَا وَمَاذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا اسْتِفَهَامًا وَتَكُونُ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِتَأْمُرُونِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ فِيهِ بِأَنْ حَذَفَ مِنْهُ حَرْفَ الْجَرِّ كَمَا قَالَ أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى أَيْ أَيُّ شَيْءٍ تَأْمُرُونَنِي وَأَصْلُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا مبتدأ وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي خَبَرٌ عَنْهُ وتَأْمُرُونَ صِلَةَ ذَا وَيَكُونُ قَدْ حُذِفَ مِنْهُ مَفْعُولَيْ تَأْمُرُونَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَالثَّانِي وَهُوَ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَالتَّقْدِيرُ فَأَيُّ شَيْءِ الَّذِي تَأْمُرُونَنِيهِ أَيْ تَأْمُرُنَنِي بِهِ وَكِلَا الْإِعْرَابَيْنِ فِي مَاذَا جَائِزٌ فِي قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ النُّونَ إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَأَبْقَى الْكَسْرَةَ دَلَالَةً عَلَيْهَا وَقَدَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ الضَّمِيرَ الْعَائِدَ عَلَى ذَا إِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً مَقْرُونَةً بِحَرْفِ الْجَرِّ فَقَالَ وَفِي تَأْمُرُونَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي تَقْدِيرُهُ تَأْمُرُونَ بِهِ انْتَهَى، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِفَوَاتِ شَرْطِ جَوَازِ حَذْفِ الضَّمِيرِ إِذَا كَانَ مَجْرُورًا بِحَرْفِ الْجَرِّ وَذَلِكَ الشَّرْطُ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَأَنْ يَجُرَّ ذَلِكَ الْحَرْفُ الْمَوْصُولُ أَوِ الْمَوْصُوفُ بِهِ أَوِ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَيَتَّحِدَ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الْحَرْفَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَيَتَّحِدَ مَعْنَى الْحَرْفِ أَيْضًا لِابْنِ عَطِيَّةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ الْحُرُوفِ ثُمَّ حُذِفَ بَعْدَ الِاتِّسَاعِ.


(١) سورة النساء: ٤/ ٦٦.
(٢) سورة الشعراء: ٢٦/ ٣٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>