للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَدِينَةُ مِنَ الْوَادِي مِنْ مَوْضِعِ الْوَقْعَةِ مِنْهُ فِي الشَّرْقِ وَبَيْنَهُمَا مَرْحَلَتَانِ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقُصْيَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَذَلِكَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ وَهُمْ وَالرَّكْبُ مَعْطُوفَانِ عَلَى أَنْتُمْ فَهِيَ مُبْتَدَآتُ تَقْسِيمٍ لِحَالِهِمْ وَحَالِ أَعْدَائِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوَانِ فِيهِمَا وَاوَيِ الْحَالِ وَأَسْفَلَ ظَرْفٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ أَسْفَلُ بِالرَّفْعِ اتَّسَعَ فِي الظَّرْفِ فَجَعَلَهُ نَفْسَ الْمُبْتَدَأِ مَجَازًا وَالرَّكْبُ هُمُ الْأَرْبَعُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَقُودُونَ الْعِيرَ عِيرَ أَبِي سُفْيَانَ، وَقِيلَ الْإِبِلُ الَّتِي كَانَتْ تَحْمِلُ أَزْوَادَ الْكُفَّارِ وَأَمْتِعَتَهُمْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُونَ عَلَيْهَا.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا فَائِدَةُ هَذَا التَّوْقِيتِ وَذِكْرِ مَرَاكِزِ الْفَرِيقَيْنِ وَأَنَّ الْعِيرَ كَانَتْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ (قُلْتُ) : الْفَائِدَةُ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْحَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُوَّةِ شَأْنِ الْعَدُوِّ وَشَوْكَتِهِ وَتَكَامُلِ عِدَّتِهِ وَتَمَهُّدِ أَسْبَابِ الْغَلَبَةِ لَهُ وَضَعْفِ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ وَشَتَاتِ أَمْرِهِمْ وَأَنَّ غَلَبَتَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَتْ إِلَّا صُنْعًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ يَتَيَسَّرْ إِلَّا بِحَوْلِهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ وَبَاهِرِ قُدْرَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعُدْوَةَ الْقُصْوَى الَّتِي أَنَاخَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ كَانَ فِيهَا الْمَاءُ وَكَانَتْ أَرْضًا لَا بَأْسَ بِهَا وَلَا مَاءَ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهِيَ خَبَارٌ تَسُوخُ فِيهَا الْأَرْجُلُ وَلَا يُمْشَى فِيهَا إِلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ وَكَانَتِ الْعِيرُ وَرَاءَ ظُهُورِ الْعَدُوِّ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَكَانَتِ الْحِمَايَةُ دُونَهَا تُضَاعِفُ حَمِيَّتَهُمْ وَتَشْحَذُ فِي الْمُقَاتَلَةِ عَنْهَا نِيَّاتِهِمْ وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَخْرُجُ إِلَى الْحَرْبِ بِظَعْنِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِيَبْعَثَهُمُ الذَّبُّ عَنِ الْحُرُمِ وَالْغَيْرَةُ عَلَى الْحُرُمِ عَلَى بَذْلِ تَجْهِيدَاتِهِمْ فِي الْقِتَالِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا وَرَاءَهُمْ مَا يُحَدِّثُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالِانْحِيَازِ إِلَيْهِ فَيَجْمَعُ ذَلِكَ قُلُوبَهُمْ وَيَضْبِطُ هِمَمَهُمْ وَيُوَطِّنُ نُفُوسَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا مَوَاطِئَهُمْ وَلَا يخلو مَرَاكِزَهُمْ وَيَبْذُلُوا مُنْتَهَى نَجْدَتِهِمْ وَقُصَارَى شِدَّتِهِمْ وَفِيهِ تَصْوِيرُ مَا دَبَّرَ سُبْحَانَهُ مِنْ أَمْرِ وَقْعَةِ بَدْرٍ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَانَ الرَّكْبُ وَمُدَبِّرُ أَمْرِهِ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ نَكَبَ عَنْ بَدْرٍ حِينَ نَدَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْذَ سَيْفَ الْبَحْرِ فَهُوَ أَسْفَلُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي مِنْ حَيْثُ يَأْتِي.

وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ. كَانَ الِالْتِقَاءُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الشَّامِ تُجَّارًا لَمْ يَشْعُرُوا بِأَصْحَابِ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْعُرْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَلَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى الْتَقَوْا عَلَى مَاءِ بَدْرٍ لِلسَّقْيِ كُلُّهُمْ فَاقْتَتَلُوا فَغَلَبَهُمْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسَرُوهُمْ، قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى لَوْ تَواعَدْتُمْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ ثُمَّ عَلِمْتُمْ كَثْرَتَهُمْ وَقِلَّتَكُمْ لَخَالَفْتُمْ وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>