وَهِيَ الْأَسْبَاعُ. وَقِيلَ: السَّبْعُ هِيَ الْمَعَانِي الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الْقُرْآنِ: أَمْرٌ، وَنَهْيٌ، وَبِشَارَةٌ، وَإِنْذَارٌ، وَضَرْبُ أَمْثَالٍ، وَتَعْدَادُ النِّعَمِ، وَإِخْبَارُ الْأُمَمِ. قَالَهُ زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ.
وَقَالَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةُ: السَّبْعِ هُنَا هِيَ آيَاتُ الْحَمْدِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهِيَ سَبْعٌ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعٌ دُونَ الْبَسْمَلَةِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وَمَا نَزَلَ مِنَ السَّبْعِ الطِّوَالِ شَيْءٌ، وَلَا ينبغي أن يعدل عن هَذَا الْقَوْلِ، بَلْ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ لِمَا
فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ فَفِي آخِرِهِ، «هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي»
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَأُمُّ الْقُرْآنِ وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ»
وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقِيلَ:
لِأَنَّهَا يُثَنَّى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جَوَّزَهُ الزَّجَّاجُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي هَذَا الْقَوْلُ مِنْ جِهَةِ التَّصْرِيفِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهَا جَمْعُ مُثْنِي بِضَمِّ الْمِيمِ مُفْعِلٌ مَنْ أَثْنَى رُبَاعِيًّا أَيْ: مُقِرُّ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: فِيهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِأَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَاهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُعْطِهَا لِغَيْرِهَا، وَقَالَ نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ تَكُونَ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: الَّتِي هِيَ الْمَثَانِي، وَكَذَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهَا أَسْبَاعَ الْقُرْآنِ، أَوْ سَبْعَ الْمَعَانِي. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهَا السَّبْعَ الطِّوَالِ أَوْ آلَ حَمِيم فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَكَذَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ سَبْعًا الْفَاتِحَةَ وَالْمَثَانِيَ الْقُرْآنَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُتُبُ اللَّهِ كُلُّهَا مَثَانِيَ، لِأَنَّهَا تُثْنِي عَلَيْهِ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الْمَوَاعِظِ الْمُكَرَّرَةِ، وَيَكُونُ الْقُرْآنُ بَعْضَهَا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ بِالنَّصْبِ. فَإِنْ عَنَى بِالسَّبْعِ الفاتحة أو السبع الطوال لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَصَارَ الْخَاصُّ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: بِجِهَةِ الْخُصُوصِ، وَالْأُخْرَى: بِجِهَةِ الْعُمُومِ. أَوْ لِأَنَّ مَا دُونَ الْفَاتِحَةِ أَوِ السَّبْعِ الطِّوَالِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْقُرْآنِ، إِذْ هُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الشَّيْءِ، كَمَا يَقَعُ عَلَى كُلِّهِ. وَإِنْ عَنَى الْإِسْبَاعَ فَهُوَ مِنْ بَابِ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَعْنَى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ مَا يُقَالُ لَهُ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَيِ: الْجَامِعُ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ الثَّنَاءُ وَالتَّنْبِيهُ وَالْعِظَمُ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْمَثَانِي. وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَاوَ مُقْحَمَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِتْيَانِهِ مَا آتَاهُ، نَهَاهُ. وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ النَّهْيَ لَا يَقْتَضِي الْمُلَابَسَةَ وَلَا الْمُقَارَبَةَ عَنْ طُمُوحِ عَيْنِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَعْنَى: نَهَى أُمَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute