الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَعْثَ ضِدَّ الْإِجْلَاسِ بَعَثْتُ التَّارِكَ وَبَعَثَ اللَّهُ الْمَيِّتَ أَقَامَهُ مِنْ قبره، فتفسيره الْبَعْثِ بِالْإِجْلَاسِ تَفْسِيرُ الضِّدِّ بِالضِّدِّ.
الثَّانِي: لَوْ كَانَ جَالِسًا تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ لَكَانَ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا فَكَانَ يَكُونُ مُحْدَثًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ مَقاماً وَلَمْ يَقُلْ مَقْعَدًا مَحْمُوداً، وَالْمَقَامُ مَوْضِعُ الْقِيَامِ لَا مَوْضِعُ الْقُعُودِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْحَمْقَى وَالْجُهَّالَ يَقُولُونَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَجْلِسُونَ كُلُّهُمْ مَعَهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهُ بِإِجْلَاسِهِ مَعَهُ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ إِذَا قِيلَ بَعَثَ السُّلْطَانُ فُلَانًا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَجْلَسَهُ مَعَ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ.
وَلَمَّا أَمَرَهُ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّهَجُّدِ وَوَعَدَهُ بَعْثَهُ مَقاماً مَحْمُوداً وَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْعُوَهُ بِمَا يَشْمَلُ أُمُورَهُ الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُخْرَوِيَّةَ، فَقَالَ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ وَمَصَادِرِهِ دُنْيَوِيَّةً وَأُخْرَوِيَّةً، وَالصِّدْقُ هُنَا لَفْظٌ يَقْتَضِي رَفْعَ الْمَذَامِّ وَاسْتِيعَابَ الْمَدْحِ كَمَا تَقُولُ: رَجُلُ صِدْقٍ إِذْ هُوَ مُقَابِلُ رَجُلِ سُوءٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ إِدْخَالٌ خَاصٌّ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ، وَإِخْرَاجٌ خَاصٌّ وَهُوَ مِنْ مَكَّةَ. فَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي الذِّكْرِ هُوَ الْمُؤَخَّرُ فِي الْوُقُوعِ، وَمَكَانُ الْوَاوِ هو الأهم فبدىء بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ: مَا مَعْنَاهُ إِدْخَالُهُ فِيمَا حَمَلَهُ مِنْ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَأَدَاءِ الشَّرْعِ وَإِخْرَاجُهُ مِنْهُ مُؤَدِّيًا لِمَا كُلِّفَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَدْخِلْنِي الْقَبْرَ مُدْخَلَ صِدْقٍ إِدْخَالًا مَرْضِيًّا عَلَى طَهَارَةٍ وَطِيبٍ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ عِنْدَ الْبَعْثِ إِخْرَاجًا مَرْضِيًّا مُلْقًى بِالْكَرَامَةِ آمِنًا مِنَ السُّخْطِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ عَلَى ذِكْرِ الْبَعْثِ. وَقِيلَ: إِدْخَالُهُ مَكَّةَ ظَاهِرًا عَلَيْهَا بِالْفَتْحِ، وَإِخْرَاجُهُ مِنْهَا آمِنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِدْخَالُهُ الْغَارَ وَإِخْرَاجُهُ مِنْهُ سَالِمًا. وَقِيلَ: الْإِخْرَاجُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالْإِدْخَالُ مَكَّةَ بِالْفَتْحِ. وَقِيلَ:
الْإِدْخَالُ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِخْرَاجُ مِنْهَا. وَقِيلَ: الْإِدْخَالُ فِي الْجَنَّةِ وَالْإِخْرَاجُ مِنْ مَكَّةَ. وَقِيلَ:
الْإِدْخَالُ فِيمَا أمر به الإخراج مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: أَدْخِلْنِي فِي بِحَارِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ، وَأَخْرِجْنِي مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالدَّلِيلِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَدْلُولِ وَالتَّأَمُّلِ فِي آثَارِ مُحْدَثَاتِهِ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحَدِ الْفَرْدِ. وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ: حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ وَقَدْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute