بِالْحُجَّةِ وَالدَّعْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ فَاسِدَةٌ وَهِيَ ظُلْمٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَكَذِبٌ بِنِسْبَةِ شُرَكَاءِ اللَّهِ.
وإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ خِطَابٌ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَالِاعْتِزَالُ يَشْمَلُ مُفَارَقَةَ أَوْطَانِ قَوْمِهِمْ وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ فَهُوَ اعْتِزَالٌ جُسْمَانِيٌّ وَقَلْبِيٌّ، وَمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ فِي اعْتَزَلْتُمُوهُمْ أَيْ واعتزلتم معبودهم وإِلَّا اللَّهَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ إِنْ كَانَ قَوْمُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ مَعَ آلِهَتِهِمْ لِانْدِرَاجِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ.
وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ آلِهَةً فَاعْتَزَلَتِ الْفِتْيَةُ عِبَادَةَ تِلْكَ الْآلِهَةِ وَلَمْ يَعْتَزِلُوا عِبَادَةَ اللَّهِ. وَقَالَ هَذَا أَيْضًا الْفَرَّاءُ، وَمُنْقَطِعٌ إِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَلَا يَعْبُدُونَهُ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِنَا انْتَهَى وَمَا فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذَكَرَ هَارُونُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْسِيرُ الْمَعْنَى. وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةَ اعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ قُرْآنًا لِمُخَالَفَتِهَا لِسَوَادِ الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَفِيضَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بَلْ هُوَ مُتَوَاتِرٌ مَا ثَبَتَ فِي السَّوَادِ وهو وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ. وَقِيلَ: وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ كَلَامٌ مُعْتَرَضٌ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عن الْفِتْيَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَى هَذَا ما فيه وإِلَّا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ لَهُ الْعَامِلُ.
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ أَيِ اجْعَلُوهُ مَأْوًى لَكُمْ تُقِيمُونَ فِيهِ وَتَأْوُونَ إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ يَنْشُرْ فِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ التَّوَكُّلِ حَيْثُ أَوَوْا إِلَى كَهْفٍ، وَرَتَّبُوا عَلَى مَأْوَاهُمْ إِلَيْهِ نَشْرَ رَحْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَتَهْيِئَةَ رِفْقِهِ تَعَالَى بِهِمْ لِأَنَّ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ لَا يُضَيِّعُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى سَيَبْسُطُ عَلَيْنَا رَحْمَتَهُ ويهيىء لَنَا مَا نَرْتَفِقُ بِهِ فِي أَمْرِ عَيْشِنَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ يُسَهِّلْ عَلَيْكُمْ مَا تَخَافُونَ مِنَ الْمَلِكِ وَظُلْمِهِ، وَيَأْتِيكُمْ بِالْيُسْرِ وَالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْمَعْنَى وَيُهَيِّئْ لَكُمْ بَدَلًا مِنْ أَمْرِكُمُ الصَّعْبِ مِرفَقاً. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً ... مُبَرَّدَةً بَاتَتْ عَلَى طَهَيَانِ
أَيْ بَدَلًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِمَّا أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ ثِقَةً بِفَضْلِ اللَّهِ وَقُوَّةً فِي رَجَائِهِمْ لِتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ وَنُصُوعِ يَقِينِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِهِ نَبِيٌّ فِي عَصْرِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ نَبِيًّا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْأَعْرَجُ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ في رواية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute