للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَغَلْنَا قَلْبَهُ بِالْكُفْرِ وَغَلَبَةِ الشَّقَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بمن أَغْفَلْنا كُفَّارُ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ:

عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ.

وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ فَائِدٍ وَمُوسَى الْأَسْوَارِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ أَغْفَلْنا بِفَتْحِ اللَّامِ قَلْبَهُ بِضَمِّ الْبَاءِ أَسْنَدَ الْأَفْعَالَ إِلَى الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي مَنْ ظَنَنَّا غَافِلِينَ عَنْهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

حَسِبْنَا قَلْبَهُ غَافِلِينَ مِنْ أَغْفَلْتُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ غَافِلًا انْتَهَى. وَاتَّبَعَ هَواهُ فِي طَلَبِ الشَّهَوَاتِ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: ضَيَاعًا. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: سَرَفًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَتْرُوكًا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ. قِيلَ: وَهُوَ قَوْلُ عُتْبَةَ إِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: الْفَرَطُ الْعَاجِلُ السَّرِيعُ، كَمَا قَالَ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا «١» .

وَقِيلَ: نَدَمًا. وَقِيلَ: بَاطِلًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مُخَالِفًا لِلْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْفَرَطُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّفْرِيطِ وَالتَّضْيِيعِ، أَيْ أَمْرُهُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِفْرَاطِ وَالْإِسْرَافِ أَيْ أَمْرُهُ وهَواهُ الَّذِي هُوَ بِسَبِيلِهِ انتهى.

والْحَقُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَقَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذَا الْحَقُّ أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ أَوْ هَذَا الْإِعْرَاضُ عَنْكُمْ وَتَرْكُ الطَّاعَةِ لَكُمْ وَصَبْرُ النَّفْسِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْحَقُّ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْمَعْنَى جَاءَ الْحَقُّ وَزَاحَتِ الْعِلَلُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اخْتِيَارُكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مَا شِئْتُمْ مِنَ الْأَخْذِ فِي طَرِيقِ النَّجَاةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْهَلَاكِ، وَجِيءَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَالتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ لَمَّا مُكِّنَ مِنَ اخْتِيَارِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَكَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَتَخَيَّرَ مَا شَاءَ مِنَ النَّجْدَيْنِ انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمُعْتَزِلَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرَهُ مِنْ رَبِّكُمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ التَّوْحِيدُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: أَيِ الْهُدَى وَالتَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ مِنْ عِنْدِ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُوَفِّقُهُ فَيُؤْمِنُ، وَيَضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَخْذُلُهُ فَيَكْفُرُ لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: أَيِ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ، وَهَذَا الَّذِي لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ مَعْنَاهُ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «٢» وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاعِلَ بِشَاءَ عَائِدٌ عَلَى مِنْ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ بِالْإِيمَانِ آمَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ فِرْقَةٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي شاءَ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ تَابِعَيْنِ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ جَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَتَّى كَأَنَّهُ تَحَتَّمَ وُقُوعُهُ مَأْمُورٌ بِهِ مَطْلُوبٌ مِنْهُ. وَقَرَأَ أبو السمال


(١) سورة الإسراء: ١٧/ ١١.
(٢) سورة الإنسان: ٧٦/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>