للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخِرَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أُخْرِجَ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ إِيذَانًا بِوُجُوبِ ذَلِكَ، وَإِنَّهُ مَفْعُولٌ لَا مَحَالَةَ كَالْمَأْمُورِ بِهِ الْمُمْتَثَلِ لِيَقْطَعَ مَعَاذِيرَ الضَّالِّ، وَيُقَالَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ «١» أَوْ كَقَوْلِهِ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً «٢» وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَتَّى غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ وَالْمَعْنَى إِنَّ الَّذِينَ فِي الضَّلَالَةِ مَمْدُودٌ لَهُمْ فِيهَا إِلَى أَنْ يُعَايِنُوا الْعَذَابَ بِنُصْرَةِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ أَوِ السَّاعَةَ وَمُقَدِّمَاتِهَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِالْآيَةِ الَّتِي هِيَ رَابِعَتُهَا، وَالْآيَتَانِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَهُمَا أَيْ قَالُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا «٣» حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ أَيْ لَا يَبْرَحُونَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ وَيَتَوَلَّعُونَ بِهِ لَا يَتَكَافُّونَ عَنْهُ إِلَى أَنْ يُشَاهِدُوا الْمَوْعُودَ رَأْيَ عَيْنٍ إِمَّا الْعَذابَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ غَلَبَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَتَعْذِيبُهُمْ إِيَّاهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا، وَإِظْهَارُ اللَّهِ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَإِمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ فَحِينَئِذٍ يَعْلَمُونَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى عَكْسِ مَا قَدَّرُوهُ، وَأَنَّهُمْ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً لَا خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِمُ.

انْتَهَى هَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ قَوْلِهِ قَالُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَفِيهِ الْفَصْلُ بِجُمْلَتَيِ اعْتِرَاضٍ وَلَا يُجِيزُ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالثَّانِي أَنَّ يَتَّصِلَ بِمَا يَلِيهَا فَذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَقَابَلَ قَوْلَهُمْ خير مكانا بقوله شَرٌّ مَكاناً وقوله وَأَحْسَنُ نَدِيًّا بِقَوْلِهِ وَأَضْعَفُ جُنْداً لِأَنَّ النَّدِيَّ هُوَ الْمَجْلِسُ الْجَامِعُ لِوُجُوهِ الْقَوْمِ وَالْأَعْوَانِ، وَالْأَنْصَارِ وَالْجُنْدُ هُمُ الأعوان، والأنصار وإِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ بَدَلٌ من ما المفعولة برأوا. ومَنْ مَوْصُولَةٌ مَفْعُولَةٌ بِقَوْلِهِ فَسَيَعْلَمُونَ وَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالْفِعْلُ قَبْلَهَا مُعَلَّقٌ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.

وَلَمَّا ذَكَرَ إِمْدَادَ الضَّالِّ فِي ضَلَالَتِهِ وَارْتِبَاكَهُ فِي الِافْتِخَارِ بِنِعَمِ الدُّنْيَا عَقَّبَ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ هُدًى لِلْمُهْتَدِي وَبِذِكْرِ الْباقِياتُ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ مِنْ تَنَعُّمِهِمْ فِي الدُّنْيَا الَّذِي يَضْمَحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ. ومَرَدًّا مَعْنَاهُ مَرْجِعًا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ فِي الْكَهْفِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَزِيدُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ فَلْيَمْدُدْ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ مَوْقَعَ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ مَدًّا وَيَمُدُّ لَهُ الرَّحْمَنُ وَيَزِيدُ أَيْ يَزِيدُ فِي ضَلَالِ الضال بخذلانه، ويزيد


(١) سورة فاطر: ٣٥/ ٣٧.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٧٨.
(٣) سورة مريم: ١٩/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>