للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَفْعُولِيَّةِ لَفْظًا وَالِاشْتِرَاكُ فِيهِمَا مَعْنًى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ يُدافِعُ فَمَعْنَاهُ يُبَالِغُ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ كَمَا يُبَالِغُ مَنْ يُغَالِبُ فِيهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُغَالِبِ يَجِيءُ أَقْوَى وَأَبْلَغَ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى مَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ لِيَكُونَ أَفْخَمَ وَأَعْظَمَ وَأَعَمَّ وَلَمَّا هَاجَرَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِضَمِّ هَمْزَةِ أُذِنَ وَفَتَحَ بَاقِي السَّبْعَةِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ يُقَاتَلُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ فِي الْقِتَالِ لِدَلَالَةِ يُقاتَلُونَ عَلَيْهِ وَعَلَّلَ لِلْإِذْنِ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا

كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ مَضْرُوبٍ وَمَشْجُوجٍ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «اصْبِرُوا فَإِنِّي لَمْ أُومَرْ بِالْقِتَالِ» حَتَّى هَاجَرَ

وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أُذِنَ فِيهَا بِالْقِتَالِ بعد مَا نُهِيَ عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ فَاعْتَرَضَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ فَأَذِنَ لَهُمْ فِي مُقَاتَلَتِهِمْ.

وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وَعْدٌ بِالنَّصْرِ وَالْإِخْبَارِ بِكَوْنِهِ يَدْفَعُ عَنْهُمْ الَّذِينَ أُخْرِجُوا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ نَعْتٌ لِلَّذِينَ، أَوْ بَدَلٌ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَعْنِي أَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إضمارهم. وإِلَّا أَنْ يَقُولُوا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ يَقُولُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَا يُمْكِنُ تَوَجُّهُ الْعَامِلِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِلَكِنَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا حِمَارٌ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فَتَقُولُ: مَا فِي الدَّارِ إِلَّا حِمَارٌ فَهَذَا يَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ النَّصْبُ لِلْحِجَازِ وَالرَّفْعُ لِتَمِيمٍ بِخِلَافِ مِثْلِ هَذَا فَالْعَرَبُ مُجْمِعُونَ عَلَى نَصْبِهِ. وَأَجَازَ أَبُو إِسْحَاقَ فِيهِ الْجَرَّ عَلَى الْبَدَلِ وَاتَّبَعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ أَنْ يَقُولُوا فِي مَحَلِّ الْجَرِّ عَلَى الْإِبْدَالِ مِنْ حَقٍّ أَيْ بِغَيْرِ مُوجِبٍ سِوَى التَّوْحِيدِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْكِينِ لَا مُوجَبَ الْإِخْرَاجِ وَالتَّبْشِيرِ، وَمِثْلُهُ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا «١» انْتَهَى.

وَمَا أَجَازَاهُ مِنَ الْبَدَلِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا سَبَقَهُ نَفْيٌ أَوْ نَهْيٌ أَوِ اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، نَحْوُ: مَا قَامَ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدٌ، وَلَا يَضْرِبُ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدٌ، وَهَلْ يَضْرِبُ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ مُوجَبًا أَوْ أَمْرًا فَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ: لَا يُقَالُ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ عَلَى الْبَدَلِ، وَلَا يَضْرِبُ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ عَلَى الْبَدَلِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ إِلَّا حَيْثُ يكون العامل


(١) سورة المائدة: ٥/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>