للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيْدٍ: مَا غَيَّرَتْهُ الْيَهُودُ مِنْ وَصْفِ الرَّسُولِ، سَمِعَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا. وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ: خِطَابٌ لِقَائِلِ اللَّغْوِ الْمَفْهُومِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ.

سَلامٌ عَلَيْكُمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: سَلَامُ متاركة لإسلام تَحِيَّةٍ. لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ:

أَيْ لَا نَطْلُبُ مُخَالَطَتَهُمْ. إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ: أَيْ لَا تَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ الْهِدَايَةِ فِيهِ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «١» ، لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا: وَإِنَّكَ لَتُرْشِدُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَالَةَ أَنْ مَاتَ، مَشْهُورٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا تَقْدِرُ أَنْ تُدْخِلَ فِي الْإِسْلَامِ كُلَّ مَنْ أَحْبَبْتَ، لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ الْمَطْبُوعَ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الَّذِي عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْبُوعٍ عَلَى قَلْبِهِ، وَأَنَّ الْأَلْطَافَ تَنْفَعُ فِيهِ، فَتُقَرِّبُ بِهِ أَلْطَافُهُ حَتَّى يَدْعُوهُ إِلَى الْقَبُولِ. وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ: بِالْقَابِلِينَ مِنَ الَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَ. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ فِي أَمْرِ الْأَلْطَافِ. وَقَالُوا: الضَّمِيرُ فِي وَقَالُوا لِقُرَيْشٍ. وَقِيلَ، القائل الحارث بْنُ عُثْمَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ، وَلَكِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ وَخَالَفْنَا الْعَرَبَ، فَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَحْنُ أَكَلَةُ رَأْسٍ، أَيْ قَلِيلُونَ أَنْ يَتَخَطَّفُونَا مِنْ أَرْضِنَا.

وَقَوْلُهُمْ: الْهُدى مَعَكَ: أَيْ عَلَى زعمك، فقطع الله حجتهمم، إِذْ كَانُوا، وَهُمْ كُفَّارٌ بِاللَّهِ، عُبَّادَ أَصْنَامٍ قَدْ أَمِنُوا فِي حَرَمِهِمْ، وَالنَّاسُ فِي غَيْرِهِ يَتَقَاتَلُونَ، وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، يَجِيءُ إِلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ مِنَ الْأَقْوَاتِ، فَكَيْفَ إِذَا آمَنُوا وَاهْتَدَوْا؟ فَهُوَ تَعَالَى يُمَهِّدُ لَهُمُ الْأَرْضَ، وَيُمَلِّكُهُمُ الْأَرْضَ، كَمَا وَعَدَهُمْ تَعَالَى، وَوَقَعَ مَا وَعَدَ بِهِ وَوَصْفُ الْحَرَمِ بِالْأَمْنِ مَجَازٌ، إِذِ الْآمِنُونَ فيه هم ساكنوه. وثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ: عَامٌّ مَخْصُوصٌ، يُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ. وَقَرَأَ الْمِنْقَرِيُّ: يُتَخَطَّفُ، بِرَفْعِ الْفَاءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ «٢» ، بِرَفْعِ الْكَافِ، أَيْ فَيُدْرِكُكُمْ، أَيْ فَهُوَ يُدْرِكُكُمْ. وَقَوْلُهُ: مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا: أَيْ فَيُتَخَطَّفُ، وَفَاللَّهُ يَشْكُرُهَا، وَهُوَ تَخْرِيجُ شُذُوذٍ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ يَعْقُوبَ وَأَبُو حَاتِمٍ، عَنْ عَاصِمٍ: تُجْبَى، بِتَاءِ التَّأْنِيثِ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:

ثَمَرَاتُ، بِفَتْحَتَيْنِ وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ: بِضَمَّتَيْنِ وَبَعْضُهُمْ: بِفَتْحِ الثَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ.

وَانْتَصَبَ رِزْقًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ قَوْلِهِ: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ: أَيْ بِرِزْقِ ثَمَرَاتٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وَفَاعِلُ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ مَحْذُوفٌ، أَيْ نَسُوقُ إِلَيْهِ ثمرات كل


(١) سورة الشورى: ٤٢/ ٥٢.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>