للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِنْجَاءِ، وَالْخِتَانِ، وَالشَّيْبِ وَتَغْيِيرِهِ، وَالثَّرِيدِ، وَالضِّيَافَةِ. وَهَذَا يُبْحَثُ فِيهِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ، وَلَيْسَ كِتَابُنَا مَوْضُوعًا لِذَلِكَ، فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ.

فَأَتَمَّهُنَّ: الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي فَأَتَمَّهُنَّ يُظْهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَاعِلِيَّةِ. فَأَتَمَّهُنَّ مَعْطُوفٌ عَلَى ابْتَلَى، فَالْمُنَاسِبُ التَّطَابُقُ فِي الضَّمِيرِ. وَعَلَى هَذَا، فَالْمَعْنَى: أَيْ أَكْمَلَهُنَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، أَوْ بَيَّنَهُنَّ، وَالْبَيَانُ بِهِ يَتِمُّ الْمَعْنَى وَيَظْهَرُ، أَوْ يَسَّرَ لَهُ الْعَمَلَ بِهِنَّ وَقَوَّاهُ عَلَى إِتْمَامِهِنَّ، أَوْ أَتَمَّ لَهُ أُجُورَهُنَّ، أَوْ أَدَامَهُنَّ سُنَّةً فِيهِ وَفِي عَقِبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَقْوَالٌ خَمْسَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَدَامَهُنَّ، أَوْ أَقَامَ بِهِنَّ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ أَوْ عَمِلَ بِهِنَّ، قَالَهُ يَمَانٌ أَوْ وَفَّى بِهِنَّ، قَالَهُ الرَّبِيعُ، أَوْ أَدَّاهُنَّ، قَالَهُ قَتَادَةُ. خَمْسَةُ أَقْوَالٍ تُقَرِّبُ مِنَ التَّرَادُفِ، إِذْ مَحْصُولُهَا أَنَّهُ أَتَى بِهِنَّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِابْتِلَاءِ، هَلْ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا؟ فَقَالَ الْقَاضِي: كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُ بِهِنَّ كَالسَّبَبِ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ إِمَامًا، وَالسَّبَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسَبِّبِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الِابْتِلَاءِ مُقَدَّمًا فِي الْوُجُودِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ إِمَامًا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِتِلْكَ التَّكَالِيفِ إِلَّا مِنَ الْوَحْيِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الْوَحْيِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِكَوْنِهِ كَذَلِكَ. أَجَابَ الْقَاضِي: بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بِهَذِهِ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ، فَلَمَّا تَمَّمَ ذَلِكَ، جَعَلَهُ نَبِيًّا مَبْعُوثًا إِلَى الْخَلْقِ.

قالَ إِنِّي جاعِلُكَ: تَقَدَّمَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي قَالَ أَنَّهَا عَامِلَةٌ فِي إِذْ، وَإِذَا جَعَلْنَا الْعَامِلَ فِي إِذْ مَحْذُوفًا، كَانَتْ قَالَ اسْتِئْنَافًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَ لَهُ رَبُّهُ حِينَ أَتَمَّ الْكَلِمَاتِ؟ فَقِيلَ:

قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً. وَعَلَى اخْتِيَارِ أَنْ يَكُونَ قَالَ هُوَ الْعَامِلَ فِي إِذْ، يَكُونُ قَالَ جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا، أَيْ وَقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، إِذِ ابْتَلَاهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: ابْتَلَى، وَتَفْسِيرًا لَهُ. لِلنَّاسِ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِمْ أُمَّتَهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأُمَمِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي عَقَائِدِ التَّوْحِيدِ وَفِيمَا وَافَقَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ.

وَلِلنَّاسِ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ نَكِرَةٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا، التَّقْدِيرُ: إِمَامًا كَائِنًا لِلنَّاسِ، قَالُوا:

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بجاعلك، أَيْ لِأَجْلِ النَّاسِ. وَجَاعِلُ هُنَا بِمَعْنَى مُصَيِّرٍ، فَيَتَعَدَّى لِاثْنَيْنِ، الْأَوَّلُ: الْكَافُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهَا اسْمُ الْفَاعِلِ، وَالثَّانِي: إِمَامًا. قِيلَ: قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ: وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا: النَّبِيُّ، أَيْ صَاحِبُ شَرْعٍ مُتَّبَعٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَبَعًا لِرَسُولٍ، لَكَانَ مَأْمُومًا لِذَلِكَ الرَّسُولِ لَا إِمَامًا لَهُ. وَلِأَنَّ لَفْظَ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِمَامٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ، لَا يَكُونُ إِلَّا نَبِيًّا. وَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعِهِمْ هُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>