بالفجر، فإنه أعظم للأجر". وخبر:(كان يستحب أن يؤخر العشاء) معارَض؛ بأن تعجيلها هو الذي واظب عليه صلى الله عليه وسلم، ولأن المراد بالإسفار ظهوره يقيناً، لكن الأقوى دليلاً تأخير العشاء إلى ثلث الليل، وروى ابن عمر مرفوعاً: "الصلاة في أول وقتها رضوان الله، وفي آخره عفو الله". والعفو إنما يكون للمقصرين.
(ويحصل ذلك) الفضل الذي سببه التعجيل (بأن يشتغل بأسباب الصلاة) كطهر، وستر، وأذان (حين دخل الوقت) أي: عقب دخوله، فلا يشترط لذلك تقدمها عليه وإن كان هو الأفضل، ولا العجلة على خلاف العادة، بل لو أخر متطهر بقدرها .. لم تفته فضيلته، ولا يضر التأخير لعذر كأكل خفيف أو كثير يؤثر فقده في الخشوع، وتقديم راتبة وغير ذلك من كل كمال اقترن بالتأخير دون التقديم، فالتأخير -حينئذٍ لمن أراد الاقتصار على صلاة واحدة- أفضل.
(و) من ذلك أنه (يسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر) دون الجمعة؛ لأن الناس مأمورون بالتبكير إليها، فلا يتأذون بالحر، ولأن تعجيلها فيه مراعاة للمبكرين، وفي التأخير مراعاة لغيرهم، والمبكرون أولى بالمراعاة، وما في الصحيح من (الإبراد بها)؛ بيان للجواز، ودون الأذان، والأمر بالإبراد به محمول على الإقامة، أو لبيان الجواز.
ولندب الإبراد شروط كونه (في الحر) الشديد، وفي وقت الحر، و (بالبلد الحارة) وإن خالفت قطرها، وكونه (لمن يصلي جماعة) و (في موضع بعيد) مسجد أو غيره ولو مع وجود قريب أقل جماعة من البعيد بأن يحصل بالإتيان إليه مشقة تذهب الخشوع أو كماله؛ لكونهم يمشون في الشمس؛ لخبر: "إذا اشتد الحر .. فأبردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم"، دل بفحواه: أنه لابد من الشروط المذكورة، فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ولو بقطر حار، ولا في قطر بارد أو معتدل وإن اتفق فيه شدة الحر؛ إذ الفقهاء لا ينيطون الأحكام بالنادر ولا لمن يصلي منفرداً أو جماعة بمحل لا يتأذون بالحضور إليه.
نعم؛ يسن الإبراد لمنفرد يريد الصلاة بالمسجد، ولمسافرين؛ لشدة مشقة الحر بالبرية، ولمن حضر موضع الجماعة أول الوقت، أو أقام به ينتظر جماعة تبعاً لهم،