الاختصاص بالبعض مع الصلاحية للكل .. لا يكون إلا بمخصص؛ لاستوائهما في الإمكان. وترجيح أحد المتساويين بلا مرجح محال. وكل ذلك -أي: استحالة ما علم جوازه وعدم عموم تعلقهما وتخصيصهما- محال؛ لما يلزم على ذلك من قلب العلم جهلاً، وحدوث الإرادة والقدرة القديمتين؛ إذ لا يقبل التخصيص إلا الحادث، وما لزم عليه المحال -من خروج ممكن عنهما- محال، فنتج أنهما لا يخرج عنهما ممكن.
وخرج بـ (الممكن) الواجب، وهو: ما لا يقبل العدم لذاته، كالتحيز للجرم.
والمستحيل، وهو: ما لا يقبل الوجود لذاته، كخلو الجرم عن التحيز، أو عن الحركة والسكون، فلا يتعلقان بهما؛ لأنهما صفتا تأثير، ولا يقبله إلا ممكن دون الواجب والمستحيل؛ إذ لو قبلاه .. لكانا جائزين، فتنقلب حقيقتهما من الوجوب والاستحالة إلى الجواز.
ويلزم أيضاً في الواجب: تحصيل الحاصل، وهو وقلب الحقائق محال.
دل على هذه الصفات الأربع: الكتاب، والسنة، وإجماع أهل الحق.
وبرهانها: أنه لو انتفت واحدة منها .. لاتصف بضدها، ولما وجد العالم؛ إذ الميت لا يوجِد، والجاهل لا يريد، أي: يستحيل أن يقصد ما لا يعلمه، ولا يتقن؛ إذ من رأى أسطر منظومة، وخطوطاً مستقيمة فضلاً عن هذا العالم المتقن بما حير ذوي البصائر الكاملة، وجوز وجودها من جاهل بالخط .. كان عن المعقول بمعزل. وكذا غير المريد والعاجز، أما الثاني .. فظاهر، وأما الأول .. فلأن الفاعل المختار يجب له القصد والاختيار، والفاعل بالقصد والاختيار لا يفعل إلا ما أراده، فنتج أن الإيجاد لما هو أقل من هذا العالم بل أقل من ذرة، لا يصدر إلا من حي عالم مريد قادر.
وتمام السبع الصفات: السمع، والبصر، والكلام.
فأما (السمع والبصر): فصفتان قديمتان، ينكشف بهما كل موجود قديماً كذاته تعالى وصفاته، أم حادثاً كغيره تعالى ذاتاً أم صفة، حتى الأكوان والألوان والروائح بلا حدقة ولا صماخ، كما يعلم بغير قلب، ويخلق بغير آلة؛ لأن ذلك كله من صفات الحوادث، وكيفيات الأجسام.
ولا يختص سمعه تعالى بالأصوات، ولا بصره بالذوات والألوان، كما اختص بذلك سمع وبصر الحوادث؛ لأن كل موجود قابل لأن يسمع ويرى، ولو اختص سمعه