والتجاوز لهم في معاملتهم أخذاً وإعطاء، وإشباع الجائع، وكسوة العريان، وإيواء ابن السبيل.
وكما أن في الموقف أهوالاً ففيه سرور؛ إذ فيه أحوال شتى.
ومن ذلك إعطاء الكتب، أي: أخذ الملائكة لها من الأعناق -كما مر- وإعطاؤهم إياها، فالطائع يعطى كتابه بيمينه، والكافر بشماله، وفي المؤمن العاصي خلاف، المشهور أنه يأخذها بيمينه.
ومن ذلك (الحساب) وهو توقيف الله عباده بعد أخذهم كتبهم، وقبل الانصراف من الموقف على أعمالهم ولو اعتقاداً، أو غير مكسوبة لهم لا بالوزن، بأن يلهمهم أو يسمعهم بكلامه ما فيها من ثواب أو عقاب، ومنه اليسير والعسير، والسر والجهر، والتوبيخ والفضل، فمنهم من لا يحاسب أصلاً، ومنهم من يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم عسيراً.
ومنه (الجزاء) وهو مقابلة السيئة بمثلها إن لم يقع فيها عفو، ومقابلة الحسنة الأصلية المقبولة المفعولة له ولو بواسطة بضعفها، وأقل مراتب التضعيف: العشر المذكورة في القرآن، وقيل: السبع مئة المضروب بها المثل في آية البقرة، وبه جزم النووي، ولا حد لغايته.
وخرج بـ (الأصلية) التضعيف، فلا تضعيف فيه، وبـ (المقبولة) غيرها، فلا ثواب فيه، وبـ (المفعولة له) المأخوذة في ظلامة له، فلا تضعيف فيها.
وسميت الحسنة حسنة؛ لأنها تحسن وجه صاحبها، والسيئة سيئة؛ لأنها تسوءه.
ومنه (الميزان).
اعلم: أن مراتب الموقف: البعث، فالحشر، فالقيام لرب العالمين، فالعرض، فتطاير الصحف، فأخذها بالأيمان والشمائل، فالسؤال، فالحساب، فالميزان، وهو ما تعرض له هنا، يعني أن الوزن، والميزان مما يقع في اليوم الآخر؛ لثبوت ذلك بالكتاب والسنة، قال تعالى:(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ)[الأعراف:٨].
وهو ذو كفتين، ولسان، توزن فيه الأعمال فعلاً وقولاً.
واختلف في أنه واحد، أو متعدد، وفي أن للكافر وزناً أو لا، وفي أن الموزون صحف الأعمال، أو أجسام أمثلة لها على قدر الأعمال في الثواب والعقاب خلاف، ويكفينا الإيمان بالوزن والميزان من غير تعيين.