للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب ذلك، وقصته في ذلك مشهورة لما دخل بين قريش في الليل وعرف قصتهم.


قريش، فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب ذلك"، وهو الذي رواه ابن إسحاق وغيره، فتوهم اليعمري وتلميذه القصتين واحدة، فقضى بأن المشهور رواية ابن إسحاق وغيره، أنه حذيفة على رواية الصحيحين، وغيرهما أنه لزبير مع أنك قد علمت من هذا البيان الشافي، أنهما قصتان وهو واضح جدا، ولم يظهر لي قول شيخنا لا يظهر منه رد قول ابن الملقن، فالمفهوم منه أنه إنما أنكر أن الذاهب لقريش هو الزبير، ولم يدع أنه لم يذهب في غزوة الخندق بأمره صلى الله عليه وسلم البتة ا. هـ.
فإن وجه الرد عليه ليس من دعواه ذلك، حتى يقال إنه لم يدعه، بل من توهمه أن حديث الصحيح في بعثه لقريش، مع أنه إنما كان لبني قريظة، كما بينه الواقدي، بل روى النسائي عن جابر نفسه لما اشتد الأمر يوم بني قريظة، قال صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبرهم"، فلم يذهب أحد، فذهب الزبير فجاء بخبرهم، ثم اشتد الأمر أيضا، فقال: "من يأتينا بخبرهم"؟، فلم يذهب أحد، فذهب الزبير، ثم اشتد الأمر أيضا، قال: "من يأتينا بخبرهم"؟ فلم يذهب أحد، فذهب الزبير.
ففيه أنه ذهب لقريظة ثلاث مرات، وقول بعضهم: لا مانع أنه أرسل الزبير لقريظة مرة أخرى للبحث عن حال قريش فاسد، فالمانع موجود وهو مجيء الرواية عن جابر نفسه، أن ذهاب الزبير لبني قريظة.
والروايات يفسر بعضها بعضا، وتجويز أنه صلى الله عليه وسلم عدل عن إرسال الزبير؛ لأن له حة وشدة، لا يملك معها نفسه أن يحدث بالقوم، ما نعى عنه حذيفة، فاختار إرساله لذلك، وأن بهذا يرد كلام الحافظ، هذا الذي نقله المصنف خطأ صريح أوقعه في حق الحواري أحد الشعرة، حاشاه من هذا الهذيان، فإنه لا يفعل ما نهاه عنه لو وقع.
"وقصته" أي: حذيفة "في ذلك مشهورة لما دخل بين قريش في الليل، وعرف قصتهم"، فعند أبي نعيم والبيهقي وغيرهما عنه قال: لما دخلت بينهم نظرت في ضوء نار توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار، ويمسح خاصرته وحوله عصبة، قد تفرق عنه الأحزاب، وهو يقول الرحيل، ولم أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش لأضعه في كبد القوس لأرميه في ضوء النار، فذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني" فأمسكت ورددت سهمي، فلما جلست فيهم أحس أبو سفيان أنه قد دخل فيهم من غيرهم، فقال: "ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه"، فضربت بيدي على يد الذي عن يميني، فأخذت بيده فقلت: من أنت؟، قال: معاوية بن أبي سفيان، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي فقلت: من أنت؟ قال: عمرو بن العاص، فعلت ذلك خشية أن يفطن بي، فبدرتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>