للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كل ناحية، ثم خرج حتى أتى عسفان فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا كراع الغميم، ولم يلقوا كيدا.

وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا وهو يقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.


في كل ناحية" من نواحيهم "ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في" مع "عشرة فوارس لتسمع بهم قريش، فيذعرهم" بفتح الياء، وذال معجمة وفتح العين المهملة، أي: يفزعهم، "فأتوا كراع" بضم الكاف، وخفة الراء وعين مهملة، "الغميم" بفتح الغين المعجمة، وكسر الميم، فتحتية ساكنة فميم، واد أمام عسفان، بثمانية أميال يضاف إلى كراع، جبل أسود بطرف الحرة ممتد إليه، والكراع ما سال من أنف الجبل، أو الحرة، وطرف كل شيء، كما في النور، "ولم يلقوا كيدا" قاله ابن سعد.
وقال ابن إسحاق: لما أخطأه من غرتهم ما أراد، قال صلى الله عليه وسلم: "لو أنا نزلنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة"، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم كروا يمكن الجمع بأنه بعثهما، ثم بعث أبا بكر في العشرة أو عكسه، "وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا"، أي: حربا، "وهو يقول،" كما رواه ابن إسحاق وابن سعد عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول حين وجه راجعا: "آيبون" بمد الهمزة، أي: نحن راجعون إلى الله، نحن "تائبون" إن شاء الله تعالى، كما في الرواية إليه سبحانه، فيه إشارة إلى التقصير في العبادة قاله تواضعا أو تعليما لأمته، نحن "عابدون" من استحقت ذاته للعبادة "لربنا" متعلق بالصفات الثلاثة على طريق التنازع، وكذا بقوله نحن "حامدون" له تعالى.
وقال الطيبي: يجوز أن يتعلق قوله لربنا بقوله عابدون؛ لأن عمل اسم الفاعل ضعيف، فيقوى به, أو بحامدون ليفيد التخصيص، أي: نحمد ربنا لا نحمد غيره، وهذا أولى؛ لأنه الخاتمة للدعاء، وبقية حديث جابر عندهما: أعوذ بالله من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال.
زاد الواقدي: اللهم بلغنا بلاغا صالحا، ينظر إلى خير مغفرتك ورضوانا، قالوا: وهذا أول ما قال هذا الدعاء، ووعثاء بمثلثة مشقة وكآبة حزن، وأصل الحديث في الصحيح عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا قفل يقول، كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا، ثم قال: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، "وغاب عن
المدينة أربع عشرة ليلة،" والله سبحانه وتعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>