للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

...................................................


وقال في محل آخر، وحاصل الجمع أن من أطلق أنها على الموت أراد لازمها؛ لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت أما أن يغلب وإما أن يؤسر والذي يؤسر، إما أن القتل وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلق الراوي، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تئول إليه.
وفي الصحيح عن ابن عمر والمسيب بن حزن والد سعيد أن الشجرة أخفيت، والحكمة في ذلك أن لا يحصل افتتان بها لما وقع تحتها من الخبر، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها حتى ربما اعتقدوا أن لها قوة نفع وضر كما نشاهده الآن فيما دونها.
وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله، أي كان إخفاؤها رحمة من الله، ويحتمل أن معناه كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها، لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه يعرفها معتمدا على قول أبيه أنهم لم يعرفوها في العام المقبل، لا يدل على رفع معرفتها أصلا، لما في البخاري عن جابر، لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة، فهذا يدل على أنه كان يعرفها بعينها، لأنها كانت قطعت قبل مقالته، كما روى ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع: أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة، فيصلون عندها، فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت.
انتهى من الفتح وكان أول من بايع أبو سنان الأسدي، وهو وهب أو عارم أو عبد الله بن مصحن أخو عكاشة.
أخرج الطبراني عن ابن عمر لما دعا صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان، فقال: ابسط يدك أبايعك, فقال صلى الله عليه وسلم: "علام تبايعني"؟، قال: على ما في نفسي، قال: "وما في نفسك"؟، قال: أضرب بسيفي حتى يظهرك الله، أو أقتل فبايعه وبايعه الناس على بيعة أبي سنان.
وكذا رواه ابن منده عن زر بن حبيش، والبيهقي عن الشعبي وصححه أبو عمر قائلا أنه الأكثر والأشهر، وقيل: ابنه سنان؛ لأن أباه مات في حصار بني قريظة قبل اليوم.
قاله الواقدي، وضعفه بعض الحفاظ وقيل: ابن عمر. قال ابن عبد البر: ول يصح. وفي صحيح مسلم أن سلمة بن الأكوع أول من بايع.
قال البرهان: والجمع ممكن وكلهم بايع مرة إلا ابن عمر، فبايع مرتين، مرة قبل أبيه ومرة بعده، كما في الصحيح، وإلا سلمة بن الأكوع، فبايع مرتين، كما في البخاري، وثلاثا كما في مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>