للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا، فلما ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى في وجهه ورأسه الأثر فيقول: صنع هذا أخي فلان -وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن- فيقول: والله لو كان بي رحيما ما صنع بي هذا، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى {مُنْتَهُونَ} . فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان وفلان, وقد قتل يوم أحد، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}


ابن عباس إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من" قبائل "الأنصار شربوا، فلما ثمل" بكسر الميم "القوم" قال الجوهري: ثمل الرجل بالكسر إذا أخذ فيه الشراب فهو ثمل، أي نشوان. "عبث بعضهم ببعض" لعب بكسر الباء، وفتحه خلط، كما في القاموس ويصحان هنا أي فعل بعضهم ببعض لا فائدة فيه. وخلطوا على بعضهم "فلما أن صحوا" من السكر "جعل الرجل يرى في وجهه ورأسه الأثر، فيقول صنع" بي "هذا أخي فلان، وكانوا أخوة". أقارب وأصدقاء. قال: بعض جمع النسب إخوة والصديق إخوان، فكأنه نزلهم لشدة الوصلة بينهم منزلة إخوة النسب، فسماهم إخوة، وربما يشير إليه قوله: "ليس في قلوبهم ضغائن" جمع ضغينة أي حقد، كما في النهاية "فيقول: والله لو كان بي" رءوفا، كما في حديث ابن عباس عند من عزاه لهما قبل قوله: "رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩١] .
زاد في رواية أحمد عن أبي هريرة، فقالوا: انتهينا ربنا وأخرج مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص، قال: صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى سكرنا فتفاخرنا إلى أن قال: فنزلت إلى قوله فهل أنتم منتهون، ولا تنافي "فقال ناس من المتكلفين" المبالغين في البحث الحاملين له مع المشقة "هي رجس وهي في بطن فلان"، كحمزة رضي الله عنه، "وقد قتل يوم أحد" قبل تحريمها فهل عليه مؤاخذة هذا على أن قائله من المسلمين.
لكن في الفتح روى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود، وفي رواية أحمد عن أبي هريرة فقال: الناس يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فراشهم، وكانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان "فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} أكلوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>