للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقوني عنه"؟. فقالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم"؟. قالوا: أبونا فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتم، بل أبوكم فلان".


لما اجتمعوا عنده "أني سائلكم" أي مريد سؤالكم "عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه"؟ بضم القاف وسكون الواو فكسر نون الوقاية، هكذا في رواية أبي ذر والوقت والأصيلي، وابن عساكر في المواضع الثلاثة, قال ابن التين: وفي نسخ: "صادقي" بشد الياء وهو الصواب عربية؛ لأن أصله: صادقون, فحذفت النون للإضافة, فاجتمع حرفا علة سبق الأول بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، ومثله: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} . وحديث بدء الوحي: "أومخرجيَّ هم". قال الحافظ: وإنكاره الرواية من جهة العربية ليس بجيد فقد وجهها غيره, قال ابن مالك: مقتضى الدليل أن تصحب نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل والأسماء المعربة المضافة إلى ياء المتكلم لتقيهم خفاء الإعراب، فلما منعت ذلك كانت كأصل متروك، فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل كقول الشاعر:
وليس الموافيني ليرتد خائبا ... فإن له أضعاف ماكان أملا
ومنه: "فهل أنتم صادقوني". والحديث الآخر: "غير الدجال أخوفني عليكم". والأصل فيه أخوف مخوفاتي عليكم, فحذف المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه فاتصل أخوف بها مقرونة بالنون وذلك أن أفعل التفضيل شبيه بفعل التعجب.
وحاصل كلامه: أن النون الباقية هي نون الوقاية ونون الجمع حذفت، كما تدل عليه الرواية الأخرى بلفظ صادقي، قال: ويمكن تخريجه أيضا على أن النون الباقية هي نون الجمع فإن بعض النحاة أجاز في جمع المذكر السالم أن يعرب بالحركات على النون مع الواو ويحتمل أن الياء في محل نصب بناء على أن مفعول اسم الفاعل إذا كان ضميرا بارزا متصلا به كان في محل نصب وتكون النون على هذا أيضا نون الجمع. انتهى.
"فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم"؟ قالوا: أبونا فلان" قال الحافظ لم أعرفه، انتهى.
فما في بعض الطرر إسماعيل، وقلدها الشارح إنما هو حدس وتخمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتم بل أبوكم فلان". أي: إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، كما جزم به المصنف كالحافظ ولا ينافيه قوله فيمن أبهمه اليهود لم أعرفه كما لا يخفى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، وأما اليهود فكاذبون نعم وقع في المقدمة في الجزية: "من أبوكم"؟. قالوا: فلان، قال: "كذبتم بل أبوكم فلان". ما أدري من عنى بذلك، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>