للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنَّا لَخَاطِئِينَ} فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا، ففعل ذلك أبو سفيان, فقال له صلى الله عليه وسلم: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .

ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياء منه.

قالوا: ثم سار صلى الله عليه وسلم فلما كان بقديد عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل.


مخففة أي، وإنا {كُنَّا لَخَاطِئِينَ} آثمين في أمرك فأذلنا لك، "فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا،" بل أن يكون هو الأحسن على مفاد هذا التركيب عرفا؛ لأن النفي إذا دخل على اسم التفضيل، فالقصد تفضيل من نسب إليه الفعل على غيره، وإن صدق النفي بالمساواة لغة ولا يرد أنه أجابهم بجواب يوسف, لإمكان أن حسن القول بما اقترن به من الإقبال بعد أن بالغوا في الأذى واقتراح الآيات والتصميم على قتله، ومحاربته المرة بع المرة يجعله فائقا على جواب يوسف وإن ساواه لفظا؛ لأن أخوته ما بالغوا في أذاه مبلغهم من النبي صلى الله عليه وسلم عليهما وما صمموا على قتله بل لما علموا حياته باعوه، وهذا التعسف أحوج إليه القاعدة ولك أن تقول: ما المانع هنا من جريه على أصل اللغة كما هو الظاهر والقاعدة أغلبية، "ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له صلى الله عليه وسلم: {لَا تَثْرِيبَ} عتب {عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} خصه بالذكر لأنه مظنة التثريب فغيره أولى {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فأسلم أبو سفيان فكان -كما في الروض وغيره- من أصح الناس إيمانا، وألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت معه في حنين، "ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياء منه", وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، ويشهد له بالجنة ويقول: "أرجو أن يكون خلفا من حمزة"، كما في العيون وقال له: "كل الصيد في جوف الفراء". وقيل: بل قالها لابن حرب، قال السهيلي: والأول أصح، ووقع عند البغوي أنه أول من بايع تحت الشجرة، قال في الإصابة ولم يصب في ذلك فقد أخرجه غيره من الوجه الذي أخرجه هو منه، فقال أبو سنان بن وهب وهو الصواب والمستفيض عند أهل المغازي كلهم وأسند أبو سفيان بن الحارث حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقدس الله أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه من القوي". أخرجه الدارقطني, وابن نافع، وسنده صحيح، لكن فيه راو لم يسم. انتهى.
"قالوا: ثم سار صلى الله عليه وسلم" والترتيب ذكرى، فإن قديدا قبل الماء الذي أفطر به فعقد الألوية قبله، "فلما كان بقديد" ولقيته سليم هناك "عقد الأولية والرايات، ودفعها إلى القبائل" لبني سليم لواء وراية، وبني غفار راية وأسلم لواءين وبني كعب راية، ومزينة ثلاثة ألوية، وجهينة أربعة ألوية، وبني بكر لواء، وأشجع لواءين، كذا ذكره الواقدي.
هذا وادعى الشارح أن أبا بكر رأى مناما قبل عقد الألوية، ولا أدري من أين أخذه فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>