للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

....................................


لأن قولهم: صبأنا، أي خرجنا من دين إلى دين، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام، وقال الحافظ: فذكره انتهى وأنت خبير بأن هذا كله إنما هو على رواية الصحيح.
وأما على ما في ابن سعد قالوا: مسلمين قد صلينا وصدقنا بمحمد، وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها، فلعل خالدا رضي الله عنه تأول أن هذا القول منهم تقية، كما تأول أسامة في السرية المتقدمة، وذكر أهل السير: أن عبد الرحمن بن عوف قال لخالد: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، أخذت بثأر أبيك، قال: كذبت، أنا قتلت قاتل أبي وإنما أخذت بثأر عمك، وكانت بنو جزيمة قتلوا في الجاهلية عوفا والفاكه عم خالد وأخاه الفاكه أيضا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مهلا يا خالد دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا، ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل منهم ولا روحته".
وفي مسلم عن أبي سعيد قال: كان بين خالد وبين عبد الرحمن شيء، فسبه خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي".
قال الحافظ: ما حاصله فهذا صريح في أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
رواه الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد: السابقون إلى الإسلام لأن خالدا كان من الصحابة حينئذ، باتفاق. ونهي بعضهم عن سبه من سبقه، يقتضي زجر من لم ير المصطفى ولم يخاطبه بالأولى، فلا حاجة لجواب الكرماني بأن الخطاب لغير الصحابة المفروضين في العقل، تنزيلا لمن سيوجد كالموجود الحاضر. انتهى.
ونقل العلامة السبكي عن التاج بن عطاء الله: أنه صلى الله عليه وسلم كان له تجليات، فرأى في بعضها سائر أمته الآتين بعده فخاطبهم بقوله: "لا تسبوا أصحابي" لطيفة وعبرة.
روى ابن إسحاق عن أبي حدرد قال: كنت يومئذ في خيل خالد، فقال لي فتى من جذيمة قد جمعت يداه إلى عنقه برمة: يا فتى هل أنت آخذ بهذه الرمة، فعائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة، ثم تردني فتصنع بي ما بدا لكم، فقدمته حتى وقف عليهن، فقال: أسلمي يا حبيش قبل نفاد العيش.
أريتك إن طالبتكم فوجدتم ... بحلية أو أدركتم بالخوانق
ألم يك أهلا أن ينول عاشق ... تكلف ادلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذا أتاها هنا ... أثيبي بود قبل إحدى الصعائق
أثيبي بود قبل أن يشحط النوى ... وينأى لأمر بالحبيب المفارق

<<  <  ج: ص:  >  >>