على جبهته كالهلال واشتد شعاعها على البيت الحرام مثل السراج، فلما نظر عبد المطلب إلى ذلك قال: يا معشر قريش: ارجعوا فقد كفيتم هذا الأمر، فوالله ما استدار هذا النور مني إلا أن يكون الظفر لنا، فرجعوا متفرقين.
ثم إن أبرهة أرسل رجلا من قومه ليهزم الجيش، فلما دخل مكة ونظر إلى وجه عبد المطلب خضع وتلجلج لسانه وخر مغشيًا عليه، فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه، فلما أفاق خر ساجدًا لعبد المطلب، وقال: أشهد أنك سيد قريش حقًا.
"على جبهته" متعلق باستدارت، وفي نسخة: على جبينه "كالهلال" وجعلت على جبينه؛ لأن الغرة في الجبهة والدائرة حولها إذا وجدت تكون نازلة عن الغر بالجنبين المحيطين بالجبهة، "واشتد شعاعها" حتى صار "على البيت الحرام مثل السراج" أي: الشمس مجازًا على مقتضى البيضاوي وحقيقة على مقتضى قول القاموس: السراج معروف والشمس، "فلما نظر" أي: أبصر "عبد المطلب إلى ذلك" أي: استدارة النور في جبهته، وكونه على البيت مثل السراج ولا يشكل بأن الشخص لا يبصر جبهته؛ لأنه لما استدار كالهلال أبصر شعاعه وعلم استدارته من أحواله السابقة، ويحتمل قصر اسم الإشارة على الشعاع وأخبر عنه بالاستدارة لعله من الحاضرين، أو من سابق أحواله أنه متى وجد مستديرًا، "قال: يا معشر قريش، ارجعوا" فرحين مستبشرين "فقد كفيتم هذا الأمر، فوالله ما استدار هذا النور مني إلا" كان سببًا وعلامة على "أن يكون الظفر لنا" وأقسم عليه لوثوقه به بناء على ما اعتاده قبل، أو لرؤيته على هذه الصورة الزائدة الإشراق غلب على ظنه، فحلف "فرجعوا متفرقين، ثم إن أبرهة أرسل" إلى مكة "رجلا من قومه" هو حناطة -بحاء مهملة مضمومة ونون وطاء مهملة- الحميري، "ليهزم الجيش" أي: يكون سببًا في هزمه بإدخال الرعب على قريش، أو سماهم جيشًا وإن لم ينصبوا القتال، ومر أنه لما جاء رسوله وساق الإبل همت طائفة بقتاله ثم تركوا لعدم طاقتهم له، فيجوز أن من نقل أن عبد المطلب جهز جيشًا لحرب أبرهة أراد هذا، "فلما دخل مكة ونظر إلى وجه عبد المطلب خضع" أي: ذل "وتلجلج" بلامين وجيمين: تردد "لسانه" في الكلام لعجزه "وخر مغشيًا عليه، فكان" أي: صار "يخور" يصوت؛ "كما يخور الثور عند ذبحه" تشبيه لبيان صفة فعله من الصياح واحترز به عن صوت غيره، ففي القاموس: الخوار بالضم: صوت البقر والغنم والظباء والبهائم، "فلما أفاق خر ساجدًا لعبد المطلب" أي: وضع جبهته على الأرض؛ كدأبهم في التعظيم وتجويز غير هذا في ذا المقام عجيب، "وقال: أشهد أنك سيد قريش حقًا" وعند ابن إسحاق: