للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان العباس رجل صيتا, فلما سمع المسلمون نداء العباس أقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها.

وفي رواية مسلم: قال العباس: فوالله لكأن عطفتهم -حين سمعوا صوتي- عطفة البقر على أولادها. يقولون: يا لبيك، فتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع انحدر عنه وأرسله، ورجع بنفسه.


حين الفرار لتضمنها {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} ، أو لتضمنها: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} ، أو {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} ، وليس النداء بها اجتهادا من العباس، بل بأمره صلى الله عليه وسلم ففي مسلم وغيره قال العباس: فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عباس! ناد: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة! " , "وكان العباس رجلا صيتا ولذا خصه بالنداء".
قيل: كان يسمع صوته من ثمانية أميال، "فلما سمع المسلمون نداء العباس، أقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها" حتى نزل صلى الله عليه وسلم كأنه في حرجة، بفتح المهملة والراء وبالجيم، شجر ملتف كالفيضة.
قال العباس: فلرماح الأنصار كانت أخوف عندي على رسول الله من رماح الكفار.
أخرج البيهقي وغيره، أي لعلمه بحفظ الله له من رماح الكفار، وبعدهم عنه بخلاف رماح الأنصار، خاف أن يصيبه شيء منها بغير قصدهم، لشدة عطفهم عليه ومجيئهم لديه.
"وفي رواية مسلم" أيضا: أن الذي قبلها روايته عن العباس: شهدت مع رسول الله يوم حنين ... الحديث, وفيه: وكنت رجلا صيتا، فناديت بأعلى صوتي أين الأنصار أين أصحاب السمرة أين أصحاب سورة البقرة، "قال العباس: فوالله لكان عطفهم" أي إقبالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم "حين سمعوا صوتي عطفة"، أي: حنو "البقر على أولادها" وفي السابقة الإبل فتارة شبههم بها، وتارة بالبقر، والمعنى صحيح، لأنه كان حنوا زائدا، وفيه دليل على أنهم لم يبعدوا حين تولوا، "يقولون: يا" عباس "لبيك يا" عباس "لبيك" فالمنادى محذوف نحو: ألا يا اسلمي, "ألا يا اسجدوا" في قراءة، أي إجابة لك بعد إجابة، ولزوما بطاعتك بعد لزوم، "فتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وازدحموا "حتى أن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع" أي لكثرة الأحزاب المنهزمين، كما ذكره ابن عبد البر، "انحدر عنه وأرسله ورجع بنفسه".
وفي رواية ابن إسحاق: فأجابوا لبيك لبيك، فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله، فيؤم

<<  <  ج: ص:  >  >>