للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان بن الحارث أخذ بزمامها، وهو يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".


الغنائم "فاستقبلنا" بضم التاء وكسر الموحدة، وفي الجهاد فاستقبلونا "بالسهام" وفي مسلم فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد، وعنده أيضا عن أنس جاء المشركون بأحسن صفوف رأيت صف الخيل، ثم المقاتلة، ثم النساء من وراء ذلك، ثم الغنم، ثم الإبل، ونحن بشر كثير وعلى خيلنا خالد بن الوليد، فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب، ومن تعلم من الناس، "ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء" التي أهداها له فروة بن نفاثة، كما في مسلم وعند ابن سعد وغيره، على بغلته دلدل وفيه نظر؛ لأن دلدل أهداها له المقوقس، وجمع القطب الحلبي باحتمال أنه ركب كلا منهما يومئذ كما مر، "وأن أبا سفيان بن الحارث" بن عبد المطلب "أخذ بزمامها" أولا، فلما ركضها صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين، خشي العباس، فأخذه، وأخذ أبو سفيان بالركاب، كما مر جمعا بينه وبين ما في مسلم، أن العباس كان آخذا بزمامها، وللبخاري في الجهاد فنزل، أي عن البغلة، فاستنصر.
وفي مسلم فقال: "اللهم أنزل نصرك". وهو يقول: "أنا النبي لا كذب" قال ابن التين: كان بعض العلماء يفتح الباء ليخرجه عن الوزن، قال الدماميني: وهذا تغيير للرواية بمجرد خيال يقوم في النفس ولا حاجة للعدول عن الرواية؛ لأن هذا لا يسمى شعرا، أي: لما سيذكره المصنف، "أنا ابن عبد المطلب".
قال الحافظ: اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث على سياقه إلى هنا، إلا رواية زهير بن معاوية فزاد في آخرها: ثم صف أصحابه، وفي مسلم قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذيه يعني النبي صلى الله عليه وسلم, قال: وفي الحديث من الفوائد حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عنه محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله تعالى، ولا يقال كان صلى الله عليه وسلم متيقنا بالنصر بوعد الله تعالى له به، وهو حق لأن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته، وليس هو في اليقين، وقد استشهد في تلك الحالة ابن أم أيمن، كما مر وفي ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات؛ لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رئيس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ أسباب ذلك، كان ذلك أدعى لاتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة، وعدم المبالاة بالعدو. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>