قال أهل المغازي: فحنق المسلمون على المشركين، فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين، فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية لا لا تقتل الذرية". ثلاثا, فقال أسيد: يا رسول الله! أليس إنما هم أولاد المشركين، فقال صلى الله عليه وسلم: "أوليس خياركم أولاد المشركين، كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها". وروى أحمد، وأبو داود عن رباح بن ربيع: أنه مر هو والصحابة على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويعجبون من خلقها حتى لحقهم صلى الله عليه وسلم على راحلته فانفرجوا عنها، فوقف عليها، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل"، فقال لأحدهم: "الحق خالدا فقل له: لا تقتل ذرية ولا عسيفا"، وعند ابن إسحاق: "فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" والعسيف الأجير لفظا ومعنى، وذكر الواقدي عن شيوخ ثقيف: ما زال صلى الله عليه وسلم في طلبنا ونحن مولون، حتى أن الرجل منا ليدخل حصن الطائف، وأنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة. وروى البيهقي وغيره عن يزيد بن عامر السوائي، وكان حضر يومئذ فسئل عن الرعب، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فتطن، فيقول: إن كنا نجد في أجوافنا مثل هذا. وروى الواقدي عن مالك بن أوس: حدثني عدة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون: لقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية من الحصى فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطساس، ما يهدأ ذلك الخفقان "وقال" صلى الله عليه وسلم يومئذ بعد انقضاء القتال، كما في الصحيحين وغيرهما عن أبي قتادة: "من قتل قتيلا" أوقع القتل على المقتول، باعتبار ما له كقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] ، "له عليه بينة فله سلبه". قال الحافظ: بفتح المهملة، واللام بعدها موحدة، ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور، وعن أحمد لا تدخل الدابة، وعن الشافعي تختص بأداة الحرب، واتفق الجمهور على أنه لا يقبل قول مدعيه إلا ببينة تشهد له أنه قتله، لمفهوم قوله: "له عليه بينة"، وعن الأوزاعي يقبل بلا بينة، ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفى به. انتهى. "واستلب أبو طلحة" زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، الخزرجي من كبار