للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وبهاتين الغزاتين, أعني: حنينا وبدرا, وقاتلت الملائكة بأنفسها مع المسلمين، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه المشركين بالحصى فيهما. وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٥] .
قال أعني ابن القيم عقب هذا: وافتتح الله تعالى غزو العرب بغزوة بدر، وختم غزوهم بغزاة حنين، ولهذا يجمع بين هاتين الغزاتين بالذكر: بدر وحنين وإن كان بينهما سبع سنين، "قال" بعد هذا "وبهاتين الغزاتين" قال المصنف: أعني حنينا وبدرا", وكان اللائق أن يقول: يعني لأن قصده بيان مراد ابن القيم، لحذفه من كلامه ما يرجع اسم الإشارة له، وهو ما ذكرته، ولم يقع في كلامه أعني "قاتلت الملائكة بأنفسها مع المسلمين،" كما هو ظاهر الأحاديث السالفة، والجمهور على أنها لم تقاتل يوم حنين، كما قدمه المصنف في بدر؛ لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: ٢٦] ولا دلالة فيه على قتال.
وفي تفسير ابن كثير المعروف من قتال الملائكة: إنما كان يوم بدر، وقال ابن مرزوق وهو المختار من الأقوال. اتهى، وثالث الأقوال: أنها لم تقاتل في بدر، ولا في غيرها، وإنما كانوا يكثرون السواد، ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك أهل الدنيا، وهذه شبهة دفعها الكفار بريشة من جناحه، سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم مع قدرة جبريل على دفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وتكون الملائكة مددا على عادة الجيوش، رعاية لصورة الأسباب، وسننها التي أجراها الله في عباده، والله فاعل الجميع. انتهى، وقول أبو الحسن الهروي في أرجوزته:
كذا لجنس الأنس فضل بادي ... بالعلم والفطنة والجهاد
على كرام الملا العباد ... من ساكني السبع العلي الفراد
لا يعارضه، لأن قتالهم ليس كقتال الإنس لأن الحاصل منهم القتل لا القتال.
وقدم المصنف في بدر أنهم كانوا يعرفون قتل الملائكة بآثار سود في الأعناق والبنان، "ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه المشركين بالحصى فيهما،" فانكشفوا ورماهم بالحصى أيضا يوم أحد، لما ولي الناس عنه، فرجعوا القهقري حتى أتوا الجبل، رواه الحاكم بإسناد صحيح عن سعد، وبعد هذا في كلام ابن القيم، "وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم" والمسلمين، فالأولى خوفتهم وكسرت من حرهم، والثانية استفرغت قواهم، واستنفدت سهامهم وأذلت جمعهم حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله، وجبر الله أهل مكة بهذه الغزوة، وفرحهم بما نالوا من النصر والمغنم، فكانت كالدواء لما نالهم من كسرهم، وإن كان عين جبرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>