للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختار من خلقه، فكل منه، ولو شاء أن يبيد أهل الكفر من غير قتال لفعل، قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ، فيثيب سبحانه وتعالى الصابرين ويجزل الثواب للشاكرين، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١] .

فعلى المكلف الامتثال في الحالتين، أي: امتثال تعاطي الأسباب، والرجوع إلى المولى والسكون إليه بساحة كرمه، كما كان صلى الله عليه وسلم يأتي الأسباب أولا تأدبا مع الربوبية وتشريعا لأمته، ثم يظهر الله تعالى على يديه ما يشاء من قدرته الغامضة التي ادخرها له عليه الصلاة والسلام.

قال ابن الحاج في المدخل:.


اختار من خلقه، فكل منه وإليه، ولو شاء الله أن يبيد"، بضم الياء يهلك، "أهل الكفر من غير قتال لفعل" كما "قال تعالى: {ذَلِكَ} خبر مبتدأ، أي الأمر فيهم، أو افعلوا بهم ذلك، {وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ} انتقم "منهم" باستئصال بغير قتال، {وَلَكِنْ} أمركم به {لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْض} ، فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار "فيثيب سبحانه وتعالى الصابرين ويجزل" بضم الياء، يوسع "الثواب للشاكرين"، واعتبر في الصابرين أصل الثواب وفي الشاكرين أجزاء له، كأنه لحظ قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧] ، وفي حق الصابرين من محبته لهم ونصرهم، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} [البقرة: ١٥٣] .
قال البيضاوي: بالنصر وإجابة الدعوة، والله يحب الصابرين، فينصرهم ويعظهم قدرهم "قال تعالى: {ولنبلونكم} " [محمد: ٣١] نختبرنكم بالجهاد وغيره: {حتى
نعلم} علم ظهور: {الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: ٣١] الآية في الجهاد وغيره، {وَنَبْلُوَ} نظهر {أَخْبَارَكُمْ} من طاعتكم، وعصيانكم في الجهاد وغيره، "فعلى المكلف الامتثال في" تحصيل "الحالتين"، كما يعلم من قوله: "أي امتثال تعاطي الأسباب والرجوع إلى المولى، والسكون إليه بساحة كرمه، كما كان صلى الله عليه وسلم يأتي الأسباب أولا تأدبا مع الربوبية" بامتثال أمرها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} ، "وتشريعا لأمته"، وإن علم أن النصر إنما هو من عند الله، "ثم يظهر الله تعالى على يديه ما يشاء من قدرته الغامضة التي ادخرها له عليه الصلاة والسلام، قاله" محمد بن محمد أبو عبد الله "ابن الحجاج" العبدري الفارسي، الفقيه الورع، الزاهد، صحب جماعة من أرباب القلوب، وتخلق بأخلاقهم، مات سنة سبع وثلاثين وسبعمائة "في" كتاب "المدخل" إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات، والتنبيه على

<<  <  ج: ص:  >  >>