للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما ارتحلوا قال: قولوا: آبيون، تائبون عابدون، لربنا حامدون.

فانظر كيف كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج للجهاد يعتد لذلك بجمع أصحابه، واتخاذ الخيل والسلاح، وما يحتاج إليه من آلات الجهاد والسفر، ثم إذا رجع عليه الصلاة والسلام يتعرى من ذلك، ويرد الأمر كله لمولاه عز وجل لا لغيره بقوله: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".

وانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "وهزم الأحزاب وحده"، فنفى صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكره، وهذا هو معنى الحقيقة؛ لأن الإنسان وفعله خلق لربه عز وجل، فهو لله سبحانه وتعالى الذي خلق ودبر، وأعان وأجرى الأمور على يد من شاء، ومن


"فلما ارتحلوا قال: "قولوا: آيبون" بمد الهمزة، أي نحن راجعون إلى الله، نحن "تائبون" إليه تعالى، إشارة إلى التقصير في عبادته والتوبة من توليهم يوم حنين، نحن "عابدون" الذي استحقت ذته العبادة "لربنا" نحن "حامدون" على ما أولانا من الفتح المبين، والنصر المتين، والجار والمجرور متعلق بالأربعة على طريق التنازع، "فانظر" تأمل بعين البصيرة، وأجل فكرك "كيف كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج للجهاد يعتد لذلك بجمع أصحابه، واتخاذ الخيل والسلاح وما يحتاج لذلك من آلات الجهاد والسفر، ثم إذا رجع عليه الصلاة والسلام يتعرى" يتباعد "من ذلك ويرد" يفوض "الأمر كله لمولاه عز وجل لا لغيره"، ويبين لصحبه أن النصر من عنده إلا بقوة ولا بعدد "بقوله" كما في البخاري وغيره: إذا رجع من الغزو بعد التكبير ثلاثا: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، "آيبون تائبون عابدون"، زاد البخاري "ساجدون"، "لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
وكلام المصنف هذا وارد في ارتحاله عن الطائف، بل وعن غيرها، فإنه أخبر عن حالتيه في كل غزواته أنه في الخروج يعتد، وفي الرجوع يرد الأمر لله، كما هو ظاهر جدالًا في ارتحاله إلى الطائف، كما ظن، فاعترض بأنه قصد غزوهم، فلا يحسن قوله، ثم إذا رجع وتعسف الجواب، بأنه سماه رجوعا لفراغه من حنين وارتحاله، إلى الطائف بعد نصره، فعده رجوعا وإن اشتغل بغيره، فإن هذا الشيء
أمر عجاب ولا وجه له، "وانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "وهزم الأحزاب وحده"، فنفى صلى الله عليه وسلم ما تقدم ذكره" في قوله بجمع أصحابه إلى آخره، ونسب كل ذلك لله عز وجل "وهذا" أي نفي الأمور عن غيره، ونسبتها إليه "هو معنى الحقيقة" أي ما يكون الشيء عليه في نفس الأمر، وقال أرباب السلوك الحقيقة، العلوم المدركة بتصفية الباطن: "لأن الإنسان وفعله خلق لربه عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ، "فهو لله سبحانه وتعالى الذي خلق ودبر، وأعان وأجرى الأمور على يد من شاء ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>