للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتذهبون بالنبي إلى رجالكم؟! لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، قالوأ: يا رسول الله قد رضينا".


"يذهب الناس بالشاة والبعير " وتذهبون بالنبي إلى رحالكم " " بالمهملة، أي بيوتكم، وفي رواية: "أولا ترضون أن يذهب الناس بالغنائم إلى بلدانهم، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم"؟، "فوالله لما" بفتح لام التأكيد، أي للذي "تنقلبون" ترجعون "به خير مما ينقلبون به" فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من عرض الدنيا الفانية، ومن ثم "قالوا: يا رسول الله قد رضينا".
وذكر الواقدي أنه حين دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة بعده دون الناس، وهي يومئذ أفضل ما فتح الله عليه من الأرض، فأبوا وقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا وبقية حديث الصحيح، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "ستجدون إثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض".
وفي حديث أنس عند الشيخين: أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم، فقال: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا، فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي" كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن، قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا".
وفي حديث أبي سعيد عند أبن إسحاق وأحمد من طريقه: "أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتهم وصدقتهم أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك".
وأخرجه أحمد من وجه آخر عن أنس بلفظ آخر، فلا تقولون: جئتنا خائفا فآمناك، وطريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك، قالوا: بل المن علينا لله ورسوله، وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم تواضعا منه وإنصافا، وإلا فالحجة البالغة والمنة الطاهرة في جميع ذلك له عليهم، فلولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، وفي هذا إقامة الحجة على الخصم، وإفحامه بالحق عند الحاجة، وتنبيه الكبير الصغير على ما غفل عنه، وإيضاح وجه شبهته ليرجع إلى الحق وحسن أدب الأنصار، ومناقب عظيمة لهم لثناء الرسول البالغ عليهم، والمعاتبة واستعطاف المعاتب وإغنائه عن عتبه إقامة حجة من عتب عليه، والاعتذار بالاعتراف.
قال ابن القيم ما حاصله: اقتضت حكمة الله أن الغنائم لما حصلت قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه، لما بقي فيه من طبع البشر من حب المال فقسم فيهم لتجتمع قلوبهم على محبته؛ لأنها جبلت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها؛ لأنه لو قسم فيهم لقصر عليهم بخلاف قسمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>