للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

وقد وهم بعض الرواة -كما قدمته- وقال: إنما كان هذا عند مقدمة المدينة. وهو وهم ظاهر؛ لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام -كما قدمت ذلك.


"وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع"
وبعدها فيما يروى:
أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع
"وقد وهم بعض الرواة" وهو عبيد الله بن محمد، المعروف بابن عائشة، "كما قدمته" في الهجرة، "وقال إنما كان هذا" الشعر "عند مقدمه المدينة" لما هاجر من مكة، بمعنى أنه روى ذلك في الهجرة كما مر عن رواية البيهقي وغيره، ولا أنه حصر، كما أفهمه، "وهو وهم ظاهر؛ لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام، كما قدمت ذلك"، في الهجرة وقدم ثمة أن الوالي العراقي، قال: يحتمل أن الثنية التي من كل جهة يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع وقدمت أن هذا يؤيده جمع الثنيات إذ لو كان المراد التي من جهة الشام لم تجمع، ولا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر مرة عند الهجرة، ومرة عند قدومه من تبوك فلا يحكم بغلط ابن عائشة لأنه ثقة، وتقدم جمع آخر، وفي البخاري وغيره عن السائب بن يزيد: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمة من غزوة تبوك، ووقع هنا في فتح الباري ما لفظه.
أنكر الوادي هذا، وتبعه ابن القيم، وقال: ثنية الوداع من جهة مكة، لا من جهة تبوك بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب، قال: إلا أن يكون هناك ثنية أخرى في تلك الجهة، والثنية ما ارتفع من الأرض، وقيل الطريق في الجبل، قلت: لا يمنع كونها من جهة الحجاز أن يكون خروج المسافر من جهتها وهذا واضح، كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى، وينتهي كلاهما إلى طريق واحدة، وقد روينا بسند منقطع في الخلعيات قول النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
فقيل ذلك عند قدومه من غزوة تبوك، انتهى. فليتأمل فإن هذا عكس النقل عن ابن القيم السابق في المصنف الذي بنى عليه هنا، وقد قال في الفتح نفسه في الهجرة ما لفظه أخرج أبو سعد في شرف المصطفى، ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>