للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي البخاري لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة، قال: "إن بالمدينة أقوما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر" وهذا يؤيد معنى ما ورد: "نية المؤمن خير من عمله"، فإن نية هؤلاء خير،


لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن: طلع البدر علينا، البيتين، وهو سند معضل، ولعل ذلك في قدومه من غزوة تبوك، انتهى.
"وفي البخاري" هنا وقبله في الجهاد عن أنس "لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فدنا" قرب "من المدينة"، عطف على رجع وجواب لما، "قال: "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا". مصدر ميمي، بمعنى السير، أي الذهاب، "ولا قطعتم واديا"، قال البيضاوي: هو كل منفرج ينفرج فيه السيل اسم فاعل من ودى إذا سال، فشاع بمعنى الأرض "إلا كانوا معكم" بالقلوب والنيات، وللإسماعيلي إلا وهم معكم فيه بالنية، ولأحمد وأبي داود "لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه"، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة، قال: "حبسهم العذر" ولابن حبان وأبي عوانة من حديث جابر "إلا شركوكم في الأجر"، بدل قوله: "إلا كانوا معكم"، وأسقط من البخاري، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة، قال: "وهم بالمدينة" "حبسهم العذر" عن الغزو معكم.
قال الحافظ: هو الوصف الطارئ على المكلف المناسب للتسهيل عليه، والمراد به ما هو أعم من المرض، وعدم القدرة على السفر، وفي مسلم عن جابر بلفظ حبسهم المرض، وكأنه محمول على الأغلب، انتهى.
قولهم: وهم بالمدينة استفهام تعجبي لرواية كيف، أي أيكونون معنا ثوابا، وكأن المصنف أسقطها لأن الفائدة وهي التحريض على النيات الصالحة حاصل بدونها.
قال المهلب: يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] فإنه فاضل بين المجاهدين والقاعدين ثم استثنى أولي الضرر من القاعدين فكأنه ألحقهم بالفاضلين.
"وهذا" الحديث الصحيح "يؤيد معنى ما روى" عند الطبراني، عن سهل بن سعد والعسكري عن النواس بن سمعان والديلمي عن أبي موسى، كلهم مرفوعا بلفظ "نية المؤمن خير من عمله".
ورواه البيهقي وغيره عن أنس بلفظ أبلغ وكلها ضعيفة ولذا مرضه لكن بمجموعها يتقوى الحديث، كما أفاده شيخ السخاوي، ويأتي بسطه إن شاء الله تعالى في المقصد الثالث، حيث ذكره المصنف ثمة في الكلام الموجز لم يسبق إليه وبين وجه التأييد بقوله: "فإن نية هؤلاء خير

<<  <  ج: ص:  >  >>