فأمرهما، فتلاعنا الحديث، وفيه أن الولد جاء على الصفة التي تصدق عويمرا، فكان ينسب إلى أمه. وروى البخاري عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد في ظهرك" فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة، فجعل صلى الله عليه وسلم يقول: "البنية وإلا حد في ظهرك" فقال هلال: والذي بعثك بالحق إي لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل الله، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] حتى بلغ إن كان من الصادقين، الحديث. وفيه أنهما تلاعنا، وأن الولد جاء على صفة شريك، فقال صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". قال الحافظ: اختلف الأئمة في هذا الموضع، فمنهم من رجح نزولها في شأن عويمر، ومنهم من رجح نزولها في شأن هلال، ومنهم من جمع بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا، فنزلت في شأنهما معا، وإليه جنح النووي، وسبقه الخطيب، فقال: لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد، ولا مانع أن تتعدد القصص، ويتحد النزول. وروى البزار عن حذيفة قال: قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به". قال: كنت فاعلا به شرا قال: "فأنت يا عمر" قال: كنت أقول لعن الله الأبعد، فنزلت، ويحتمل أن النزول سبق هلال، فلما جاء عويمر، ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه صلى الله عليه وسلم بالحكم، ولذا قال في قصة هلال: فنزل جبريل وفي قصة عويمر: "قد أنزل الله فيك"، وبهذا أجاب ابن الصباغ، قال: نزلت في هلال، وأما قوله لعويمر: "قد أنزل الله فيك"، فمعناه ما أنزل في قصة هلال، ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بإمرأته، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين قال: وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليظ الرواة الحفاظ، انتهى، ولم يذكر المصنف هنا بعثه صلى الله عليه والسلام أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم اللات بالطائف لما أتاه وفدهم مسلمين، فذهبا في بضعة عشر رجلا، فهدموها حتى سووها بالأرض، ثم خرب المغيرة أساسها، وأخذوا حليتها وكسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضة، وأقبلوا حتى دخلوا عليه صلى الله عليه وسلم، فحمد الله على نصره واعزاز دينه، وقسم المال من يومه اكتفاء بأنه أشار إلى ذلك في الوفود والله أعلم.