للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام ليصلي عليه، فقام عمر رضي الله عنه فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه،


"فجاء ابنه" عبد الله بن عبد الله الخزرجي من فضلاء الصحابة، وشهد بدرا وما بعدها، واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه في النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء ليستأذنه في قتله، فقال: بل أحسن صحبته.
أخرجه ابن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن قال ابن عمر: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله "إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وعند الطبري من طريق الشعبي لما احتضر جاء ابنه، فقال: يا رسول الله إن أبي احتضر، فأحب أن تشهده وتصلي عليه قال: "ما اسمك"؟ قال: الحباب، فقال: "بل أنت عبد الله الحباب" اسم شيطان وهو بضم المهملة، وموحدتين مخففا، وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه، "فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه" وأخرج عبد الرزاق والطبري عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليه قال: "أهلكك حب يهود" فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أنه يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، وهذا مرسل مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس لما مرض ابن أبي جاءه صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فأمنن عليَّ فكفني في قميصك وصل عليَّ، ففعل "فأعطاه، ثم سأله أن يصلي، فقام ليصلي عليه".
وفي حديث ابن عباس عن عمر في الصحيح: فلما قام وثبت إليه، فقلت يا رسول الله أتصلي عليه، وقد قال يوم كذا، كذا، وكذا أعدد عليه قوله يشير إلى مثل قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقوله ليخرجن الأعز منها الأذل، "فقام عمر رضي الله عنه، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله تصلي" وفي رواية أتصلي بإثبات همزة الاستفهام الإنكاري "عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه" استشكل جدا إطلاق النهي عن الصلاة؛ إذ لم يتقدم نهي عنها، كما دل عليه قوله آخر الحديث، فأنزل الله حتى قال بعضهم هو وهم من بعض رواته وعاكسه غيره، فزعم أن عمر اطلع على نهي خاص في ذلك، وقال القرطبي: لعل ذلك وقع في خاطر عمر من قبل الإلهام، ويحتمل أنه فهمه من قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣] انتهى.
والثاني أقرب؛ لأنه لم يتقدم نهي، والذي يظهر أن في هذا الحديث تجوزا بينته رواية البخاري من وجه آخر بلفظ، فقال: تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم، وعند

<<  <  ج: ص:  >  >>