قال الطبيبي: هو من باب المقابلة المعنوية؛ لأن الحقيقة أن يقال: بشرا، ولا تنذرا وآنسا، ولا تنفرا فجمع بينهما ليعم البشارة، والنذارة والتأنيس والتنفير. قال الحافظ: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة، وهو الأصل، وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتى بالذي عده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفي مطلقا بخلاف التنفير، فاكتفى بما يلزم عن الإنذار وهو التنفير فكأنه قيل إن أنذرتم فليكن بغير تنفير: كقوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: ٤٤] قال شيخنا: ولعل قول الطيبي فجمع بينهما أنه لما قابل البشارة بالنهي عن التنفير. علم منه طلب التأنيس ولزم منه عدم التنفير، فلما ذكر النهي عنه كأنه أريد به النهي عن الإنذار، فشملت عبارته الأمر بالتأنيس، والنهي عن الإنذار، انتهى. وبقية هذا الحديث في البخاري فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، الحديث. وفي البخاري عن ابن عباس قال: "قال" صلى الله عليه وسلم "لمعاذ:" وعند أحمد وأبي يعلى برجال ثقات عن معاذ أنه صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت ظل راحلته. فلما فرغ قال: "يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري" فبكى معاذ لفراقه. وروى ابن عساكر عنه: أنه صلى الله عليه وسلم مشى معه ميلا، ومعاذ راكب لأمره صلى الله عليه وسلم له بذلك ولأحمد عنه: لما بعثني صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: "قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، فقاتل بمن أطاعك من عصاك" "إنك ستأتي قوما أهل كتاب". قال الحافظ: هو كالتوطئة للوصية ليستجمع عليها؛ لأن أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، ليس فيه أن جميع من يقدم عليهم أهل كتاب، بل يجوز أن فيهم غيرهم، وخصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم، "فإذا جئتهم" قيل عبر بإذا تفاؤلا بحصول الوصول إليهم، $"فادعهم إلى يشهدوا أن لا إله إلا الله،