للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا". وقال لمعاذ: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله


بردة "واليمن مخلافان" وهو بموحدة وراء واسمه عامر بن أبي موسى، وهو تابعي، فالحديث مرسل، ولذا عقبه البخاري بطريق أخرى موصولة، ثم قواها بأحاديث "ثم قال" صلى الله عليه وسلم لهما: "يسرا" بتحتية ومهملة من اليسر، أي سهلا "ولا تعسرا" لا تشددا أي عاملا بالرفق في الأمور، فأقيما الأحكام مطابقة للأمر، فأقيما الحدود وأوصلا إلى كل ذي حق حقه، لكن برفق كأنظار معسر، ولا تعملا بالشدة، كالقتل قبل تكرير الدعاء إلى الإسلام، "وبشرا" بموحدة ومعجمة "ولا تنفرا" بالفاء زاد بالبخاري في رواية وتطاوعا، وهذا ظاهر جدا في بعثهما معا.
قال الطبيبي: هو من باب المقابلة المعنوية؛ لأن الحقيقة أن يقال: بشرا، ولا تنذرا وآنسا، ولا تنفرا فجمع بينهما ليعم البشارة، والنذارة والتأنيس والتنفير.
قال الحافظ: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة، وهو الأصل، وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتى بالذي عده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفي مطلقا بخلاف التنفير، فاكتفى بما يلزم عن الإنذار وهو التنفير فكأنه قيل إن أنذرتم فليكن بغير تنفير: كقوله تعالى:
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: ٤٤] قال شيخنا: ولعل قول الطيبي فجمع بينهما أنه لما قابل البشارة بالنهي عن التنفير. علم منه طلب التأنيس ولزم منه عدم التنفير، فلما ذكر النهي عنه كأنه أريد به النهي عن الإنذار، فشملت عبارته الأمر بالتأنيس، والنهي عن الإنذار، انتهى.
وبقية هذا الحديث في البخاري فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، الحديث.
وفي البخاري عن ابن عباس قال: "قال" صلى الله عليه وسلم "لمعاذ:" وعند أحمد وأبي يعلى برجال ثقات عن معاذ أنه صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت ظل راحلته. فلما فرغ قال: "يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري" فبكى معاذ لفراقه.
وروى ابن عساكر عنه: أنه صلى الله عليه وسلم مشى معه ميلا، ومعاذ راكب لأمره صلى الله عليه وسلم له بذلك ولأحمد عنه: لما بعثني صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: "قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، فقاتل بمن أطاعك من عصاك" "إنك ستأتي قوما أهل كتاب".
قال الحافظ: هو كالتوطئة للوصية ليستجمع عليها؛ لأن أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، ليس فيه أن جميع من يقدم عليهم أهل كتاب، بل يجوز أن فيهم غيرهم، وخصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم، "فإذا جئتهم" قيل عبر بإذا تفاؤلا بحصول الوصول إليهم، $"فادعهم إلى يشهدوا أن لا إله إلا الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>