للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمحبته، والله تعالى قد اتخذه خليلا، والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة، وأن لا يشارك فيها، فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيره الخلة تنزعها من قلب الخليل، فأمر بذبح المحبوب، فلما قدم على ذبحه، وكانت محبة الله عنده أعظم من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة، فلم يبق في الذبح مصلحة، إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس، وقد حصل المقصود، فنسخ الأمر وفدي الذبيح، وصدق الخليل الرؤيا". انتهى.

وقد أنشد بعضهم:

إن الذبيح هديت إسماعيل ... ظهر الكتاب بذاك والتنزيل


بمحبته" فشبه القلب بشجرة استعارة بالكناية، والتعلق الحاصل به أغصانها وإثبات الغصن استعارة تخييلية، ولم يقل: تعلق قلبه بمحبته لئلا يتوهم تعلق قلبه بجملته بمحبة ولده، فلم يكن فيه محل لغيره مع أن قلبه إنما هو متعلق بربه غايته أن ثمة نوع تعلق بالولد.
"والله تعالى قد اتخذه خليلا، والخلة" بضم الخاء وتفتح الصداقة المحضة التي لا خلل فيها؛ كذا في القاموس. "منصب" بكسر الصاد: أصل "يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة، وأن لا يشارك فيها" عطف تفسير "فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيره" بفتح الغين "الخلة تنزعها من قلب الخليل" ليتمحض للجليل "فأمر بذبح المحبوب" ولا ريب أن هذا يأتي على أنه إسحاق أيضًا، فلا شك أن في قلبه شعبة محبة له، غايته: أن محبة إسماعيل أكثر. "فلما قدم على ذبحه وكانت محبة الله عنده أعظم من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ" أي: حين إذ قدم على ذبحه، "من شوائب المشاركة، فلم يبق في الذبح مصلحة إذا كانت المصلحة إنما هي العزم وتوطين النفس، وقد حصل المقصود" أي: إظهاره إذ الله عالم به: "فنسخ الأمر، وفدى الذبيح، وصدق الخليل الرؤيا. ا. هـ." كلام ابن القيم، وهي أدلة إقناعية.
"وأنشد بعضهم: أن الذبيح هديت إسماعيل ظهر" وفي نسخة: نطق، أي: دل "لكتاب بذاك والتنزيل" عطف صفة على موصوفها أو تفسيري؛ كأنه يشير به إلى قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات: ١١٢] ، ولا حجة فيه، فقد قال ابن عباس: هي بشارته بنبوته؛ كما قال تعالى في موسى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: ٥٣] ، وهو قد كان وهبه له

<<  <  ج: ص:  >  >>