للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: "ولو كان الذبيح بالشام -كما يزعم أهل الكتاب، ومن تلقى عنهم- لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة".

"وأيضًا فإن الله سمى الذبيح حليمًا، لأنه لا أحلم ممن سلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه: عليمًا".

"وأيضًا: فإن الله تعالى أجرى العادة البشرية: أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن بعده، وإبراهيم لما سأل ربه الولد، ووهبه له تعلقت شعبة من قلبه


جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى به الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، فلما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق، قال لأبيه: يا أبت، أوثقني لا أضطرب فينتضح دمي عليك إذا ذبحتني، فشده فلما أخذ الشفرة وأراد ذبحه نودي من خلفه: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا"، "ثم قال" ابن القيم: "ولو كان الذبيح بالشام، كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة" لأنه هو المحل الذي أمر فيه بذبحه على هذا القول وأنت خبير بأن هذا مع ما فيه من الظن لسوء بأكثر العلماء، وهو أنه لا سلف لهم إلا التلقي عن أهل الكتاب لا يصح دليل إذ لا تلازم، وأيضًا فالدليل ما سلمه الخصم وابن عطية، حكى قولين، أحدهما: أنه أمر بذبحه في الشام، والثاني: أنه إنما أمر بذبحه في الحجاز، فجاء به معه على البراق. ا. هـ. ومر نقله عن ابن جبير وتأييده بالمرفوع.
"وأيضًا" مما يدل على أنه إسماعيل ظاهر القرآن الكريم، "فإن الله سمى الذبيح حليمًا" في قوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: ١٠١] ، "لأنه لا أحلم ممن سلم نفسه للذبح طاعة لربه" مع كونه مراهقًا ابن ثمان سنين أو ثلاث عشرة سنة، حكاهما الجلال. "ولما ذكر إسحاق سماه عليمًا" في قوله: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: ٥٣] ، وقوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: ٢٨] ، وهذا غير ظاهر، فلا ريب أن إسحاق حليم أيضًا، فأي مانع من جمعه الصفتين؟
"وأيضًا" دليل عقلي، "فإن الله تعالى أجرى العادة البشرية أن بكر الأولاد" بكسر الموحدة وسكون الكاف: أول ولد الأبوين، "أحب إلى الولدين ممن بعده" لكونه أول فيتمكن حبه قبل رؤية غيره، لكن لا ينافي أنه إذا حصلت مزية لمن بعده زاد بسببها حبه؛ كما أحب عبد المطلب الأب الشريف لرؤيته نور المصطفى في وجهه.
"وإبراهيم لما سأل ربه الولد ووهبه له تعلقت شعبة" بضم الشين الغصن لغة "من قلبه

<<  <  ج: ص:  >  >>