وقد روى الطبراني بسند صحيح، عن قتادة وابن جرير، عن ابن عباس، قالا: خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وهو يريدها لزيد، فظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت واستنكفت، وقالت: أنا خير منه حسبا، فأنزل الله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} كلها، فرضيت، وسلمت "فمكثت عنده مدة" ألقى الله في قلبه كراهتها، فجاء يشكوها إليه صلى الله عليه وسلم، فقال له: "أمسك عليك زوجك، واتق الله"، فنزلت {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: ٣٧] ، أي علمك بالوحي بأنه سيطلقها وأنك تتزوجها، كما قاله علي بن الحسين والزهري وغيرهما، وعليه أهل التحقيق، "ثم طلقها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الخصائص" لكراهته لها، لتعاظمها عليه بشرفها، لا لرغبة المصطفى في نكاحها، كما زعمه من وهم، "فلما انقضت عدتها منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة" إظهارا لمزيد حبه له وقوة إيمانه، حيث اطمأنت نفسه إلى خطبة من فارقها عليه السلام. قال البيضاوي: وذلك ابتلاء عظيم، وشاهد بين على قوة إيمانه، "اذهب فاذكرني لها" ويروى أنه قال له: "ما أجد في نفسي أوثق منك، فاخطب زينب عليَّ". "قال: فذهبت إليها، فجعلت ظهري إلى الباب" من مزيد ورعه حتى لا يراها، وإلا فهو كان قبل زوال الحجاب "فقلت: يا زينب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك" يخطبك "فقالت: ما كنت لأحدث شيئا حتى أوامر"، بضم الهمزة وفتح الواو أو بهمزتين مضارع آمر، أي استخير "ربي عز وجل فقامت إلى مسجد لها فأنزل الله" تعالى على رسوله " {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} "، أي جعلناها لك زوجة بلا واسطة، عقد على الصواب الذي لا يجوز غيره، فإنها كانت تفخر بأن الله هو الذي زوجها، وقال ابن إسحاق زوجها أخوها أبو أحمد يمكن تأويله، بأنه لما رآه أتى في منزلها، رضيه وفرح به؛ إذ لا كلام له ولا لغيره مع الله،