للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتيا مكة فوجداه، فطلبا أن يفدياه، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه لهما أو يبقي عنده فاختاره أن يبقي عنده عليه الصلاة والسلام،


في أبيات ذكرها، وذكر ابن الكلبي أن ناسا من كلب حجوا، فرأوا زيدا، فعرفوه وعرفهم، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات:
أحسن إلى أهلي وإن كنت نائيا ... فإني قعيد البيت بين المشاعر
فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... كرام معد كابرا بعد كابر
فلما بلغوه "أتيا مكة، فوجداه فطلبا أن يفدياه"، وعند الكلبي، فقدما مكة فسألا عنه صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو في المسجد فدخلا عليه، فقالا: يابن عبد المطلب يابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله تفكون العاني، وتطعمون الأسير جئنا في ولدنا عبدك، فآمنن علينا، وأحسن في فدائه، فإنا سنرفع لك، فقال: "أوغير ذلك ادعوه، فخيروه، فإن اختاركم، فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني، فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني فداء"، قالوا: زدتنا على النصف، فدعاه "فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه لهما، أو يبقي عنده، فاختار أن يبقى عنده عليه الصلاة والسلام".
وعند الكلبي، فقال: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك، وأهل بيتك، قال: نعم إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا، فلما رأى صلى الله عليه وسلم ذلك قام إلى الحجر، فقال: "اشهدوا أن زيدا ابني، أرثه ويرثني"، فطابت نفس أبيه وعمه، وانصرفا فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام، وعند ابن إسحاق، فلم يزل عنده حتى بعثه الله، فصدقه وأسلم، فاتفق ابن الكلبي، وابن إسحاق على أن هذه القصة كانت قبل البعثة، وبه جزم في الروض.
وروى ابن منده في المعرفة وتمام في فوائده عن زيد، عن أبيه حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإسلام، فأسلم، قال ابن منده، غريب لا نعرفه إلا من هذه الوجه.
قال في الإصابة: والمحفوظ أن حارثة قدم مكة في طلبه، فخيره صلى الله عليه وسلم، فاختاره ولم أر لحارثة ذكرا بإسلام إلا من هذا الوجه انتهى، قلت: إن صح الخبر، فهذه قدمة ثانية قدمها حارثة بعد البعثة لتفقد ولده، فهداه الله، فأسلم بدليل ذكرهم كلهم له في الصحابة بهذا الخبر، وإن استغربوه وسلمة ختامهم في الإصابة، فأورده في القسم الأول دون الرابع، وأما قوله رحمه الله في فتح الباري تلو ما ساقه المصنف بحروفه ما لفظه، وقد أخرج ابن منده وتمام بإسناد مستغرب على آل زيد بن حارثة، أن حارثة أسلم يومئذ انتهى، يعني يوم قدما في فدائه في الجاهلية، ففيه أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>