للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله.


فيحتمل التأكيد، ويحتمل أن الأمر الأول للدخول في الإسلام، والثاني للدوام عليه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} [النساء: ١٣٦] .
قاله الحافظ بناء على قول جماعة من أهل التفسير: إنها خطاب للمؤمنين، أو على قول ابن عباس: إنها لمؤمني أهل الكتاب، فلا يعترض عليه بقول مجاهد: إن الآية في المنافقين، "فإن توليت" أعرضت عن الإجابة إلى الإسلام، وحقيقة التولي إنما هو بالوجه، ثم استعمل مجازا في الإعراض عن الشيء، وهو استعارة تبعية، "فإن عليك إثم الأريسين" جمع أريس، بوزن فعيل، وقد تقلب همزته ياء، وجاءت به رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما.
قال ابن سيده: الأريس: الأكار، أي: الفلاح عند ثعلب، وعند كراع: الأريس الأمير، وقال الجوهري: هي لغة شامية، وأنكر ابن فارس أن تكون عربية، وقيل في تفسيره غير ذلك، لكن هذا هو الصحيح هنا، فقد صرح به في رواية ابن إسحاق بلفظ: فإن عليك إثم الأكارين.
زاد البرقاني: يعني الحراثين، وعند المدائني: فإن عليك إثم الفلاحين، وعند أبي عبيد: وإن لم تدخل في الإسلام، فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام.
قال أبو عبيد: المراد بهم أهل مملكته؛ لأن كل من كان يزرع، فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلي ذلك بنفسه، أو بغيره، وقال الليث بن سعد عن يونس: الأريسون العشارون، يعني: أهل المكس، رواه الطبراني والأول أظهر، وهذا إن صح أنه المراد، فالمعنى المبالغة في الإثم، ففي الصحيح في المرأة التي اعترفت بالزنى: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل، "ويا أهل الكتاب"، هكذا رواية النسفي، والقابسي، وعبدوس بالواو داخلة على مقدر معطوف على أدعوك، أي: أدعوك بدعاية الإسلام، وأقول لك ولأتباعك امتثالا لقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: ٦٤] ، فليس بزيادة في التلاوة، إذ الواو إنما دخلت على محذوف، ولا يردان حذف المعطوف، وبقاء العاطف ممتنع؛ لأن محله إذا حذف المعطوف وجميع تعلقاته، أما إذا بقي شيء هو معمول للمحذوف، فيجوز نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} .
قال الحافظ: ويحتمل أنها من كلام أبي سفيان، كأنه لم يحفظ جميع الألفاظ، فاستحضر منها صدر الكتاب، فذكره، فكأنه قال: كان فيه كذا، وكان فيه يا أهل الكتاب، قالوا: ومن كلامه لا من نفس الكتاب.
وذكر عياض أن الواو ساقطة من رواية الأصيلي، وأبي ذر: "تعالوا إلى كلمة سواء" سوية, "بيننا وبينكم" لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، هي "ألا نعبد إلا الله"، أي: نوحده

<<  <  ج: ص:  >  >>