للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية البخاري: عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم, وفي رواية غير البخاري: إلى قيصر صاحب الروم, سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين.


والمكان، كذا قال أبو حيان، والظاهر أنها هنا لم تخرج عن ذلك, لكن بارتكاب مجاز, انتهى.
ثم هذا لفظ رواية البخاري في التفسير، "وفي رواية البخاري" في بدء الوحي وفي الجهاد من محمد "عبد الله ورسوله"، وفيه إشارة إلى أن رسل الله وإن كانوا أكرم الخلق عليه، فهم مع ذلك مقرون بأنهم عبيده، وإلى بطلان ما تدعيه النصارى في عيسى عليه السلام، وفي رواية له أيضا من محمد بن عبد الله رسول الله "إلى هرقل عظيم الروم"، أي: المعظم عندهم بالخفض على البدل، ويجوز الرفع على القطع، والنصب على الاختصاص، "وفي رواية غير البخاري" كأبي نعيم وابن عساكر، وغيرهما من حديث دحية "إلى قيصر صاحب الروم"، ويحتمل الجمع بأنها بالمعنى، ورواية البخاري باللفظ لموافقة مسلم له، وهو يحافظ على اللفظ، ثم اتفق البخاري وغيره على قوله: "سلام"، وللبخاري في كتاب الاستئذان: السلام "على من اتبع الهدى"، أي: الرشاد.
قال الحافظ: وقد ذكرت هذه الجملة في قصة موسى وهارون مع فرعون، وظاهر السياق يدل على أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه، فإن قيل: كيف يبدأ الكافر بالسلام؟ فالجواب أن المفسرين قالوا: ليس هذا من التحتية، إنما المراد سلم من عذاب الله من أسلم، ولذا جاء بعد أن العذاب على من كذب وتولى، وكذا في بقية هذا الكتاب، فإن توليت ... إلخ، فمحصل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدا، وإن كان اللفظ يشعر به، ولكنه لم يدخل في المراد؛ لأنه ليس ممن اتبع الهدى، فلم يسلم عليه، "أما بعد, فإني أدعوك بدعاية الإسلام" بكسر الدال من قولك: دعا يدعو دعاية نحو: شكا يشكو شكاية، ولمسلم بداعية الإسلام، أي: بالكلمة الداعية إليه، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والباء موضع إلى، كما في الفتح، وتبعه المصنف وغيره، قال شيخنا: ولا يتعين، بل يجوز بقاؤها على ظاهرها، والمعنى: أدعوك بالكلمة الدالة على طلب الإسلام منك، وحملك عليه، وما بعده بيان للكلمة التي دعا بها، وهو قوله: "أسلم" بكسر اللام "تسلم" بفتحها فيه غاية الاختصار، ونهاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني، مع ما فيه من البديع، وهو الجناس الاشتقاقي، وهو رجوع اللفظين في الاشتقاق إلى أصل واحد "يؤتك الله أجرك مرتين" لإيمانه بنبيه، ثم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو موافق لقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: ٥٤] أو من جهة أن إسلامه يكون سببا لدخول أتباعه.
وللبخاري في الجهاد: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك, بتكرار أسلم مع زيادة الواو في الثانية،

<<  <  ج: ص:  >  >>