للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك.

قال: إن دينًا لن ندعه إلا لما هو خير منه.

فقال حاطب: ندعوك إلى دين الله وهو الإسلام الكافي به الله فَقْد ما سواه، إن هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلّا كبشارة عيسى بمحمد -صلى الله عليه وسلم، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلّا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قومًا فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا


"رجل يزعم أنه الرب الأعلى" على من يلي أمركم، وهو فرعون، "فأخذه الله" أهلكه بالغرق "نكال"، أي: عقوبة، أي: جعله نكالًا، وعبرة لغيره "الآخرة"، أي: هذه الكلمة, "والأولى"، أي: قوله قبلها {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ، وكان بينهما أربعون سنة، وقيل: الأولى الدنيا بالإغراق، والآخرة يوم القيامة بالإحراق، "فانتقم به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك, ولا يعتبر غيرك بك"، بأن تفعل ما يوجب النقمة، فتصير عبرة لغيرك.
فالمراد نهيه عن كونه هذه الصفة، لا نهي غيره من الاعتبار به, إن لو وقع فيما يوجب النقمة، وسقط غيرك من العيون، فقال البرهان: بالبناء للمفعول على الأحسن، ويجوز بناؤه للفاعل، "قال: إن لنا دينًا لن ندعه إلّا لما هو خير منه، فقال حاطب: ندعوك إلى دين الله، وهو الإسلام" التوحيد المبعوث به الرسل من قبل، "الكافي به الله، فقد" بفتح الفاء، وإسكان القاف، ودال مهملة مفعول به "ما سواه"، أي المغني به عن غيره, الذي فقد بحيث لا يجوز التمسك به، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} ، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} ، "إن هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الناس، فكان أشدهم عليه قريش" قومه حسدًا، وتكذيبًا بالحق مع اعترافهم به، "وأعداهم له يهود" بالرفع بلا تنوين، لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث، مع تيقنهم أنه النبي المبشَّر به في كتبهم، "وأقربهم منه النصارى" الذين آمنوا به، "ولعمري ما بشارة موسى بعيسى" التي تحققتها أنت "إلّا كبشارة عيسى بمحمد -صلى الله عليه وسلم"، فيجب عليك اتباعه، "وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلّا كدعائك أهل التوراة" بالنصب مفعول المصدر "إلى الإنجيل"، فكما تعتقد أن ذلك حق، يجب عليك أن تعتقد حقيقة الإسلام، وأن رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثابتة يجب اتباعها، "وكل نبي أدرك قومًا فهم من أمته، فالحق" الثابت الواجب "عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدرك هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>