للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقطع رصد الشياطين، ومنعهم من استراق السمع.

ولقد أحسن الشقراطسي حيث قال:

ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف في الإشراق والطفل

وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقص منكسر الأرجاء ذا ميل


بالنجوم، "وقطع رصد الشياطين" بسكون الصاد وفتحها مصدر رصد؛ كنصر، أي: ترقبهم، "ومنعهم من استراق السمع" أي: استراقهم لاستماع ما تقول الملائكة، فيخبرون به غيرهم فيقع، وقضيته منعهم منه رأسًا بحيث لم يقع ذلك من أحد منهم، لكن قال السهيلي: أنه بقي من استراق السمع بقايا يسيرة بدليل وجودهم على الندور في بعض الأزمنة وفي بعض البلاد، ونحوه قول البيضاوي؛ لعل المراد كثرة وقوعه أو مصيره دحورًا. "ولقد أحسن" أبو محمد عبد الله بن أبي زكريا يحيى بن علي "الشقراطسي" نسبة إلى شقراطسة ذكر لي أنها بلدة من بلاد الجريدة بأفريقيا، قاله أبو شامة في شرحه لهذه القصيدة: "حيث قال: يمدح النبي صلى الله عليه وسلم من جملة قصيدة كبيرة "ضاءت" أشرقت "لمولده" لأجل ولادته أو اللام للتوقيت؛ كقولك: جئت ليوم كذا، أي: فيه يريد ضاءت أيام مولده "الآفاق" جمع أفق بضم الفاء وسكونها وهي نواحي الأرض وأطرافها، وكذلك آفاق السماء وهي أطرافها التي يراها الرائي مع وجه الأرض، يعني بذلك ما ظهر معه عليه السلام من النور حين ولد. "واتصلت" بنا "بشرى" مصدر كالبشارة "الهواتف" جمع هاتف وهو الصالح، أو اتصل إلينا خبر ذلك أو اتصل إلينا خبر ذلك أو اتصل بعضها ببعض لكثرتها فما يبلغنا خبر إلا ويعقبه مثله، أي: كثرت وتواترت، يعني بذلك ما سمع من الجن وغيرهم من بعد ولادته إلى مبعثه من تبشيرهم به ونعيهم الكفر وإنذارهم بهلاكه يهتفون بذلك في كل ناحية، أي: ينادون به وكثر ذلك قبيل المبعث.
"في الإشراق" أول النهار عند انتشار ضوء الشمس، "والطفل" وذلك إذا اطفلت الشمس للغروب، أي: دنت منه، وهو عبارة عن كثرة الأزمان التي وقع فيها، ذلك لأنه يعبر بذلك وما في معناه عن الدوام؛ كقوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: ٦٢] ، "وصرح" القصرة، قيل: البناء المتسع الذي لا يخفى على الناظر، وإن بعد "كسرى تداعى" تساقط كأن بعضه دعًا بعضًا للوقوع "من قواعده" أساسه ومن لابتداء الغاية مبالغة كأن الانهدام ابتدأ من القواعد، "وانقص" بصاد مهملة سقط من أصله وبمعجمة أسرع سقوطه، "منكسر الأرجاء" النواحي "ذا ميل" بفتح الياء ما كان خلقة، قال ابن سيده: الميل في الحادث والميل في الخلقة والبناء، وهو على الثاني ظاهر. أما الأول فلأنه لما لم يكن بفعل فاعل ولا مسببًا عن خلل بناء نزله منزلة الخلق الطبيعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>