للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونار فارس لم توقد وما خمدت ... مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل

خرت لمبعثه الأوثان وانبعث ... ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل


"ونار فارس" اسم علم كالفرس لطائفة من العجم كانوا مجوسًا يعبدون النار، وكان لبيوتها سدنة يتناوبون إيقادها فلم يخمد لها لهب في ليل ولا نهار، إلى ليلة مولده عليه السلام، فإنه حين أوقدوها "لم توقد" بضم التاء وفتح القاف مبني للمفعول، لكنه وإن صح استعمالا إلا أنه لم ينتف إيقادهم لها بل إيقادها في نفسها مع تعاطيهم الإيقاد، فهذا موضع الآية العجيبة وأجيب بأنه لما لم تحصل فائدة إيقادها لها كأنها لم توقد؛ لأن خمودها من غير سبب يطفئها لا يكون إلا لعدم الإيقاد، ويحتمل فتح التاء وكسر القاف من وقدت النار هاجت، لكنه أصل رفضته العرب فلم تستعمله إلا أن ابن السراج ذكر أن أحسن ما استعمله الشاعر لضرورة ما رد فيه الكلام إلى أصله، فاللفظ ضعيف المخرج صحيح، قوي المعنى.
"وما خمدت" بفتح الميم وكسرها "مذ ألف" بالرفع والجر بناء على أن مد حرف ج أو اسم ملتزم حذف المضاف إليه معه وتقديره مدة عدم الخمود، ألف "عام" قبل تلك الليلة، وذلك مدة عبادتهم النار، ولا ينافيه أن مدة ملكهم ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربع وستون سنة؛ لأنهم لم يعبدوها أول ملكهم، "ونهر القوم" يعني بحيرة ساوة عبر عنها بنهر القوم، أي: الفرس؛ لأنها في أرضهم ومن جملة أرض عراق العجم الذي هو في ملك كسرى، "لم يسل" أي ماؤه؛ لأنه غاض، أي: غار وكأنه عنى بالسيلان تحركه واضطرابه وإلا فماء البحيرة راكد غير جار، وكانت هذه الأمور أمارات لخمود دولتهم ونفاد ملكهم وظهور الحق عليهم، "خرت" سقطت "لمبعثه" لأجله "الأوثان" الأصنام على وجوهها "وانبعثت" مطاوع بعثه، "ثواقب" جمع ثاقب، وهي النجوم المتوقدة المضيئة، "الشهب" بسكون الهاء للتخفيف جمع شهاب، أي: المصابيح التي أخبر الله أنه زين بها السماء وجعلها رجومًا للشياطين والإضافة من باب سحق عمامة لقول الله: {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: ١٠] ، والمصابيح: النجوم، جعلت راجمة للشياطين بالشهب؛ لا أن النجوم تنقض بأنفسها خلف الشياطين، ولذا قال: "ترمي الجن بالشعل" أي: المنفصلة منها ولم يجعلها رامية بأنفسها، وقد قال الحليمي: ليس في كتاب الله أن الشياطين ترمى بالكواكب أو بالنجوم، ثم أطال في تقرير: أن الرمي إنما هو بالشهب وهو شعل النار وجعل المصابيح كناية عن الشعل لا عن النجوم، قال أبو شامة، وما جاء في الأحاديث وشعر العرب القديم من التصريح بأن الرمي بالنجوم يمكن تأويله، إما بأنه على تقدير مضاف أو استعمل النجم في الشهاب مجازًا، انتهى. ولا ينافيه ما ذكره المصنف في الخصائص عن البغوي، قيل: إن النجم كان ينقض ويرمي الشياطين ثم يعود إلى مكانه، انتهى. لجواز أن صورة الشعلة النازلة رجعت إلى مكانها التي

<<  <  ج: ص:  >  >>