وجاء عن أنس عند الطبراني وغيره أنه حبشي، وهو المشهور, وقيل: نوبيّ. ذكر ابن سعد أنه كان من مولدي السراة، "وهو أوّل من أذَّن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم" حين شرع الآذان، ورآه عبد الله بن زيد الأنصاري في المنام، فقال -صلى الله عليه وسلم: "قم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى منك صوتًا" , "ولم يؤذن بعده لأحد من الخلفاء, إلّا أنَّ عمر لما قدم الشام حين فتحها، أذَّن بلال"، استثناء متصل، أي لم يوجد منه أذان لأحد إلّا لعمر, أو منقطع، أي: لم يتخذه أحد من الخلفاء مؤذنًا، لكنه أذّن عند عمر بلا اتخاذ، "فتذكَّر النبي -صلى الله عليه وسلم، قال أسلم مولى عمر بن الخطاب" الثقة المخضرم، المتوفَّى سنة ثمانين، وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة: "فلم أر باكيًا أكثر من يومئذ"، وفي نسخة: من ذلك اليوم، أي: لم أر إنسانًا يبكي أكثر من بكاء كل واحد يومئذ، أو لم أر قومًا يبكون أكث من الباكين يومئذ؛ لأنَّ باكيًا نكرة في سياق النفي فتعمّ، فلا يراد أن باكيًا مفعول رأى, وأكثر حال إن كانت بصرية، ومفعول ثانٍ إن كان علمية، وعليهما لا يصح وصف الباكي بأنه أكثر من الباكين، ولا يراد أن دلالة العام كلية، أي: محكوم فيها على كل فرد؛ لأن هذه قاعدة أكثرية على أن النظر في نحو هذا إنما هو لمذهب النحاة، أو يقال: إن باكيًا صفة لمتعدد في المعنى، أي: فريقًا باكيًا, على أنه يمكن التخلص من أصل الإيراد بأنه ليس المراد الكثرة في نفس الأفراد التي نشأ الإشكال منها, بأن يقدَّر أن أكثر صفة لموصوف محذوف هو بكاء، أي: لم أر باكيًا بكاءً أكثر من بكاء الباكين يومئذ. وروى البخاري أن بلالًا قال لأبي بكر: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله. زاد ابن سعد، قال أبو بكر: أنشدك الله وحقي، فأقام معه حتى توفي، فتوجَّه إلى الشام مجاهدًا بإذن عمر. وروى ابن عساكر بسند جيد عن بلال، أنه لما نزل بداريا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال، أما آن لك أن تزورني، فانتبه حزينًا خائفًا، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما, فقالا: نتمنَّى، نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فعَلَا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلمَّا قال: الله أكبر, ارتجت المدينة، فلمَّا