للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفر من أشرافهم, فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله، إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات، فقال: "سأطلب لكم، وقد وقعت المقاسم، فأي الأمرين أحبّ إليكم، السبي أم المال"؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال، فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال: "أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين فكلموهم وأظهروا إسلامكم".

فلمَّا صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهاجرة قاموا، فتكلَّم خطباؤهم, فأبلغوا فيه, ورغبوا إلى المسلمين في ردّ سبيهم،


النفر الرجال من ثلاثة إلى عشرة، والمراد: أنَّ جملتهم تسعة، أو المراد بالنفر: الرجال مجازًا، فكأنه قال: تسعة من الرجال، فهي غير بيانية، "فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه، فقالوا: يا رسول الله" بيان لما كلموه به، فهو عطف مفصَّل على مجمل "إن فيمن أصبتم الأمهات" بالكسر, اسم إن واللام فيه وفيما بعده عوض عن المضاف إليه، أي: أمهاتك، "والأخوات والعمات والخالات" لك, "فقال: "سأطلب لكم، وقد وقعت المقاسم" جمع مقسم كمنبر، أو مقسم كمقعد، بمعنى: الأنصباء، أي: فرقت الأنصباء من الغنيمة على أربابها، أو جمع مقسم كمسجد، أي: فرقت الغنائم في مواضع قسمتها، "فأي الأمرين أحب إليكم: السبي أم المال" بالجر بدل من الأمرين، "قالوا: خيَّرتنا يا رسول الله بين الحسب" شرف الإنسان، وإن لم يكن لآبائه شرف، أو هو الشرف الثابت له ولآبائه, "والمال، فالحسب أحب إلينا" من المال، "ولا نتكلم في شاة ولا بعير" يقع على الذكر والأنثى، كالشاة، "فقال: "أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين" أشفع لكم عندهم، "فكلموهم وأظهروا إسلامكم" كي يتحننوا عليكم؛ وأراد أن لا يكون هو الآمر ابتداء، فيصير في نفوس بعض القوم شيء من أمره برد ما أخذوه.
وفي رواية ابن إسحاق: "وأنا إذا بالناس فأظهروا إسلامكم وقولوا: إنا أخوانكم في الدين، وإنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، فإني سأعطيكم ذلك وأسأل لكم الناس"، وعلمهم -صلى الله عليه وسلم- التشهد، أي: كلمة الشهادة كيف يكلمون الناس، "فلمَّا صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهاجرة،" يعني الظهر بالناس "قاموا".
زاد في رواية: فاستأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكلام، فأذن لهم، "فتكلم خطباؤهم،" أي المتكلون عنهم بما أمرهم به -صلى الله عليه وسلم، وأصابوا القول "فأبلغوا فيه ورغبوا" بفتح الراء وشد المعجمة المفتوحة. "إلى المسلمين" أي: حملوهم على الرغبة "في رد سبيهم،" ويجوز كسر المعجمة وتخفيفها، أي: قصدوا إلى المسلمين في ذلك، والأول أبلغ؛ لحملهم المسلمين على الرغبة في الرد بخلاف الثاني, فقصد منهم فقط، والمناسب لبلاغتهم ترغيب المسلمين لا القصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>