للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل، نأخذ به ونأمر به من وراءنا، وندخل به الجنة.


إنما هو جمع ندمان، أي: المنادم في اللهو، قال الشاعر:
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني
كذا قاله الخطابي, قال الحافظ: وقد حكى القزاز والجوهري وغيرهما من أهل اللغة: إنه يقال: نادم وندمان في الندامة، بمعنى: فعلى هذا, فهو على الأصل، ولا اتباع فيه، وللنسائي والطبراني: رحبًا بالوفد ليس الخزايا، ولا النادمين.
قال ابن أبي جمرة: بشَّرهم بالخير عاجلًا وآجلًا؛ لأن الندامة إنما تكون في العاقبة، فإذا انتفت ثبت ضدها، وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أُمِنَ عليه الفتنة، "فقالوا: يا رسول الله, إن بيننا وبينك هذا الحي من كفَّار مضر" -بضم الميم وفتح المعجمة, لا ينصرف للعلمية والتأنيث، "وإنا لا نصل إليك إلّا في شهر حرام" بتنكيرهما، فهو شامل للأربعة، ويؤيده رواية البخاري في المناقب: إلّا في كل شهر حرام، وقيل: المراد المعهود: وهو رجب, وبه صرح في رواية البيهقي، وكانت مضر تبالغ في تعظيمه، فلذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة؛ حيث قال: "رجب مضر" , والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى، إلّا أنهم ربما أنسوها بخلافه.
وللبخاري في العلم: وإنا نأتيك من شُقَّةٍ بعيدة. قال ابن قتيبة: الشقة: السفر، وقال الزجاج: هي الغاية التي تقصد، "فمرنا" أصله أؤمرنا -بهمزتين, من أمر يأمر، فحذفت الهمزة الأصلية للاستثقال، فصا أمرنا، فاستغني عن همزة الوصل فحذفت، فبقي مُرْ على وزن عل؛ لأنَّ المحذوف فاء الفعل "بأمر فصل" بصاد مهملة وبالتنوين فيهما، لا بالإضافة بمعنى الفاصل كالعدل بمعنى العادل، أي: يفصل بين الحق والباطل، أو بمعنى المفصل، أي: المبيّن المكشوف. حكاه الطيبي.
وقال الخطابي: الفصل البيّن، وقيل: المحكم, "نأخذ به ونأمر به من" أي: الذي استقرَّ "وراءنا" أي: خلفنا من قومنا الذين خلفناهم في بلادهم، "وندخل به الجنة" إذا قبل برحمة الله.
ولفظ البخاري في الإيمان: نخبر به من وراءنا، بدل نأمر به، وإسقاط نأخذ به, قال الحافظ: نخبر بالرفع على الصفة لأمر، وكذا قوله: وندخل، وروي بالجزم فيها على أنه جواب الأمر، وسقطت الواو من: وندخل, في بعض الروايات، فيرفع نخبر، ويجزم ندخل.
قال ابن أبي جمرة: فيه إبداء العذر عند العجز عن توفية الحق واجبًا كان، أو مندوبًا وأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>