للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما: كذابين يخرجان من بعدي، فهذان هما: أحدهما العنسي صاحب صنعاء


انفخهما" بهمزة وصل وكسر النون. للتأكيد بالجزم على الأمر.
قال الطيبي: ويجوز أن تكون مفسّرة، لا وحي مضمّن، معنى القول وأن تكون ناصبة، والجار محذوف، "فنفختهما فطارا" لحقارة أمرهما، ففيه إشارة إلى اضمحلال أمرهما وحقارته؛ لأن ما يذهب بالنفخ يكون في غاية الحقارة، قاله بعضهم, وردَّه ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة، لم ينزل بالمسلمين قبله مثله.
قال في الفتح: وهو كذلك، لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية، "فأولتهما كذابين" لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، ووضع الذهب المنهي عن لبسه من وضع الشيء في غير موضعه؛ إذ هما من حلية النساء، ففيه أن السوار وسائر آلات الحليّ اللائقة بالنساء، تعبّر للرجال بما يسوءهم، ولا يسرهم، وأيضًا، فالذهب مشتق من الذهاب، فعلم أنه شيء يذهب عنه، وتأكد ذلك بالأمر له بنفخهما، فطارا، فدلَّ ذلك على أنه لا يثبت لهما أمره، وأيضًا يتَّجه في تأويل نفخهما أنه قتلهما بريحه؛ لأنه لم يقتلهما بنفسه، فأمَّا العنسي فقتله فيروز الديلمي في مرض موت النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصحيح، وأمَّا مسيلمة فقُتِلَ في خلافة الصديق، "يخرجان من بدي" أي: تظهر شوكتهما ودعواهما النبوَّة، واستشكل بأنهما كانا في زمنه -صلى الله عليه وسلم، فإمَّا أن يكون المعنى بعد نبوّتي، أو يحمل على التغليب؛ لأن مسيلمة قُتِلَ بعده، "فهذان هما" لفظ البخاري في المغازي، ليس فيه هذه الجملة، ولفظه في علامات النبوَّة، فكان "أحدهما العنسي" بفتح العين المهملة وسكون النون وكسر السين المهملة, من بني عنس، وحكى ابن التين: فتح النون.
قال الحافظ: ولم أر له في ذلك سلفًا "صاحب صنعاء" ولقبه الأسود، واسمه كما قال الحافظ والمصنف وغيرهما: عبهلة -بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح الهاء- ابن كعب، وكان يقال له أيضًا: ذو الخمار؛ لأنه كان يخمر وجهه، وقيل: هو اسم شيطانه، وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادَّعى النبوَّة، وغلب على عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- على صنعاء المهاجر بن أبي أمية، ويقال: إنه مر به، فلما حاذاه عثر الحمار، فادَّعى أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئًا، فقام وكان معه شيطانان، يقال لأحدهما سحيق -بمهملتين وقاف مصغَّر، والآخر شقيق -بمعجمة وقافين مصغَّر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان باذان عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- بصنعاء، فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قومه حتى ملكها، وتزوَّج المرزبانة زوجة باذان، فواعدت فيروز وغيره، فدخلوا عليه ليلًا، وقد سقته الخمر صرفًا حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>