للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد رجلوا جممهم، ولبسوا جباب الحبرات مكففة بالحرير، فلما دخلوا, قال -صلى الله عليه وسلم: "أولم تسلموا"؟ قالوا: بلى، قال: "فما هذا الحرير في أعناقكم


سرت بريدًا وفرسخًا, جاعلين ذلك ظرف مكان، وبين إبهام نحو مسجد؛ حيث جعل النصب على التوسّع، أن الفرسخ والبريد اسم آلة يكال بها، لا اسم حصة معينة بخلاف نحو: دار ومسجد، فاسم لحصة محدودة في نفس الأمر، وإن لم تكن معينة "قد رجلوا" بجيم فلام ثقيلة سرَّحوا "جممهم" بجيم مضمومة، فميمين مفتوحتين فهاء- جمع جُمَّة، وهي مجتمع شعر الناصية التي تبلغ المنكبين، زاد ابن إسحاق، وتكحَّلوا "ولبسوا جباب" جمع جبة, ثوب معروف، ويجمع أيضًا على جيب، كما في القاموس "الحبرات" -بكسر المهملة وفتح الموحدة, جمع حبرة بزنة عنبة, من البرود ما كان موشيًا مخططًا، وفي الفتح يقال: برد حبير وبرد حبرة بزنة عنبة، على الوصف والإضافة "مكففة بالحرير" أي: مجعولًا لكل منها كفة -بضم الكاف وشد الفاء وتاء تأنيث- السجاف، ويسمَّى الطرة أيضًا، وكل مستطيل كفة -بالضم، وكل مستدير كفة -بالكسر؛ ككفة الميزن، وقيل: بالوجهين فيهما.
زاد في رواية: والديباج المخوَّص بالذهب، "فلمَّا دخلوا" قالوا: أبيت اللعن وكانت تحيتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لست ملكًا، أنا محمد بن عبد الله"، قالوا: لا نسميك باسمك، قال: "أنا أبو القاسم"، فقالوا: يا أبا القاسم, إنا خبَّأنا لك خبأ، فما هو؟ وكانوا خبئوا له عين جرادة في ظرف سمن، فقال -صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، إنما يفعل ذلك بالكاهن، وإن الكاهن والكهانة والتكهن في النار"، فقالوا: كيف نعلم أنك رسول الله، فأخذ كفًّا من حصباء، فقال: "هذا يشهد أني رسول الله"، فسبَّح الحصا في يده، فقالوا: نشهد أنك رسول الله -صلى الله عليه وسلم، "إن الله بعثني بالحق، وأنزل عليّ كتابًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، فقالوا: أسمعنا منه, فتلا: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: ١] ، حتى بلغ {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} [الصافات: ٥] ، ثم سكت، وسكن -صلى الله عليه وسلم؛ بحيث لا يتحرك منه شيء، ودموعه تجري على لحيته، فقالوا: إنا نراك تبكي، أفمن مخافة من أرسلك تبكي؟ قال: "إن خشيتي أبكتني، بعثني على صراط مستقيم في مثل حدّ السيف، إن زغت عنه هلكت"، ثم تلا: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: ٨٦] " الآية، ثم "قال -صلى الله عليه وسلم: أتيتمونا "أولم تسلموا"،" فالمعطوف عليه مقدَّر بعد همزة الاستفهام الحقيقي؛ لأن كثيرًا وفدوا مشركين، فيعرض عليهم الإسلام، أو التقرير يرى ليرتب عليه لومهم على الحرير، "قالوا: بلى" أسلمنا، "قال: "فما" بال "هذا الحرير في أعناقكم" وهو لا يجوز لبسه للرجال، ولعله جاوز حد السجاف، فلا يرد على قول الفقهاء بجواز التسجيف بالحرير.
زاد في رواية: وكان على النبي -صلى الله عليه وسلم- حلة يمانية، يقال: إنها حلة ذي يزن, وعلى أبي بكر

<<  <  ج: ص:  >  >>